تاريخ الالحاد الحديث

حتى خمسمائة عام مضت كان المصدر الأساسي للمعرفة في أوروبا هو الكتاب المقدّس بعهديه القديم والجديد، كما تبنّى رجال الكنيسة الكاثولوكية آراء أرسطو وبطليموس العلمية حول الكون وكوكب الأرض والفيزياء والكيمياء والتاريخ الطبيعي وألحقوها بمفاهيمهم المقدسة، حتى غدا أرسطو مقدّساً عندهم وكأنه من رجال الكنيسة الأوائل.
وبعد ظهور آراء كوبرنيكوس بحساباته الرياضية لدوران الأفلاك وتأكيد جاليليو ذلك بتليسكوبه، وما تبع ذلك عند اكتشاف الميكرو سكوب الذي تم من خلاله رؤية الجراثيم التي تسبب الأمراض وما نتج عن ذلك من إنعدام أهمية القسيسين في علاجها بصلواتهم، حيث يغني عن ذلك الدواء مما قلل من أهميتهم وأضعف الكنيسة.
وظهرت بعد ذلك نتائج عملية مهمة لمكتشفات نيوتن الذي وضع قوانين الحركة الثلاثة وقانون الجاذبية وما تلا ذلك من إضافات لابلاس لها.
نتج عن كل ذلك انهدام لجميع القواعد العلمية التي آمنت بها الكنيسة وأجبرت الناس على الإيمان بها وتصديقها وأضفت عليها صفة القداسة طوال قرون.
وتسببت تلك الاكتشافات في صراع بين العلم ورجاله من جهة وبين الكنيسة ورجالها من جهة أخرى. وكان للثورة العلمية في أوروبا أثر مدمر للكنيسة إذ أعقبتها مباشرة نزعة شكية إلحادية كبرى، مازالت تتضرم حتى اليوم.
وكانت ردود أفعال رجال الكنيسة واستبدادهم وسلوكهم الاضطهادي ضد مخالفيهم سبباً في حدوث ردة فعل نفسية شديدة لدى العلماء مما انعكس على سلوكهم وعلى سلوك عامة الناس أيضاً.
وألقت هذه الأزمة بظلالها على المفكرين والعلماء حتى قادت الناس في أوروبا في القرن السابع عشر إلى ما عرف بحركة التنوير وزاد الشقاق حتى غرق الأوروبيون في القرن الثامن عشر إلى مستنقع الشك الكامل في كل موروثهم الاعتقادي والعلمي الذي كانت تشرف عليه الكنيسة وتجبر الناس على الامتثال الكامل له.
وتوالى هذا الصراع على أشدّه حتى انحسر دور الكنيسة وتراجعت إلى الزوايا البعيدة وخاصة بعد الثورة الفرنسية.
ثم بدخول القرن العشرين كان الأوروبيون مستعدين لأمثال مقولة" الدين أفيون الشعوب" التي كان لها وللعقيدة الماركسية أثر كبير في رسم مسار التاريخ الأوروبي الحديث.
موقع الوكه