الالحاد مشكله نفسيه او موقف علمي؟

تبدو ظاهرة الإلحاد على مرّ التاريخ كقضية مركّبة لا يمكن ردّها إلى عامل أو عاملين فحسب؛ فالأسباب المؤدية للإلحاد تكاد تتنوع أشكالها؛ وفقًا لكلّ حالةٍ على حدة، ويغلب على ظن الكثيرين أن ظاهرة الإلحاد ترجع إلى أسباب علمية محضة، لكن بالتحقيق يبدو أن ذلك مجانبٌ للصواب، فعلى سبيل المثال، قامت الجمعية العلمية "سيجما إكس آي" باستطلاع رأي في أميركا الشمالية، خلصت فيه إلى أن مستوى دخل الفرد عندما يصل إلى 50 ألف دولار سنويًا فإن نسبة الإلحاد تزيد مع كل زيادة في دخل الفرد، ويؤكد ذلك إدوارد لارسون في بحث له منشور في مجلة "الطبيعة" (Nature) المشهورة؛ حيث استقرأ أن الأفراد الذين يزيد دخلهم عن 150 ألف دولار سنويًا ينتشر بينهم الإلحاد بشكل كبير(1). من الواضح إذن أن العامل الاقتصادي رافدٌ أساسيٌ من روافد ظاهرة الإلحاد.
لكن هل يمكن النظر إلى العامل الاقتصادي في العالم العربي على أنه سببٌ رئيس للإلحاد؟ يبدو أن ذلك من الصعوبة بمكان، فعلى ما يعانيه العالم العربي من استبداد سياسي، وظلم اجتماعي، ومعدلات قياسية في الفقر والمرض والجهل والأميّة، إلا أن نسبة الإلحاد مستمرة في الزيادة رغم كل شيء، الأمر الذي يمكن إرجاع أسبابه إلى العوامل النفسية والسياسية وغيرهما؛ لا العوامل الاقتصادية فحسب. ومع ذلك فإن الأعداد الدقيقة للملحدين غير متوفرة؛ لأن التقارير التي تتناول أعداد الملحدين في العالم العربي غالبًا ما تتضارب.
فمثلًا يؤكد تقرير مركز "وين/جيا غالوب" (WIN/Gallup International) البحثي على أن 5% من السعوديين ملاحدة؛ أي أن هناك ما يقرب من 300.000 ملحد في السعودية وحدها، ما جعلها في المركز الأول عربيًا وفقًا للتقرير (2)، أمّا مركز "ريد سي" (Red C) التابع لمعهد "غلوبل" (Global) فيعلن بعد دراسة ميدانية في عدة دول عربية "المغرب، تونس، العراق، السعودية، الأردن، السودان، سوريا، ليبيا، اليمن" أن مصر هي الأولى عربيًا في نسبة الإلحاد بعدد 866 ملحدًا فقط (3)، وأخيرًا فقد كشفت دراسة أعدّها "مركز بيو للأبحاث" (Pew Forum) الأميركي أن الشرق الأوسط وحده يحتوي على مليونين ومئة ألف ملحد
وعلى أية حال، فإن تمدّد ظاهرة الإلحاد واضح للعيان في العالم العربي، لكن ما هي الأسباب المؤدية إلى شيوع ظاهرة الإلحاد؟ وما هي العوامل الحقيقية التي تشكّل مقدّمات الظاهرة؟ وهل فعلًا يمكننا النظر إلى الإلحاد على أنه التطور الحتمي للعلوم التجريبية بصفته موقفا علميا صرفا، أم أنه أحيانًا يكون موقفًا سياسيًا أو نفسيًا خاضعًا لسياقات ذاتية وموضوعية لا تتعلق بالعلم التجريبي من قريب أو بعيد؟