الإنسانُ يمرّ بخمس ِ مراحل من خلْقِه ِ ..

الأولى هي حياةُ الذر ّ (( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ)). [الأعراف:172].
وهذا هو عالم الذرّ بعد أن استخرج الله تعالى ذرية بني آدم عليه السلام من صلبه إذ شهد الانسان على نفسه بالربوبيّة لله تعالى وحده لا شريك له . وهنا يكون الانسان روحا فقط ، وعلى الفطرة التي فطر الله ُ الناس َ عليها .
الحياة الثانية هي حياة الأرحام قال تعالى : { هُوَ الَّذِي يُصَوِّركُمْ فِي الْأَرْحَام كَيْفَ يَشَاء } إذ يقضي الإنسانُ ما يقارب تسعة أشهر في رحم الأم وتكون أقصر مرحلة من المراحل الاخرى لحياة الانسان ، غير مكلف بعبادة او بعمل ، لكنْ لسان حاله يقول ؛ البقاء في هذه الحياة (حياة الرحم ) أفضل من أخرج الى حياة جديدة لا أعرف ما ينتظرني من قدَر ٍ ! فيجهش بالبكاء مستنكرا لتلك الانتقالة المجهولة ، وهي أوّل بداية تعقل وتأمل لدى الانسان المتمثل بالروح والجسد !!؟ هكذا أفهم أنا من بكائه !! لا زال هذا الإنسان على فطرته بتوحيده لله تعالى وباق ٍ على العهد الذي أخذه الله منه في عالم الذر ّ .
الحياة الثالثة هي الحياة الدنيا وهي محل ّ العبادة والطاعة والابتلاء والاختبار والامتحان ففيها يكرمُ المرء أو يهان ، قال تعالى ((وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ)) ، ((إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ )). وهنا يكون الانسان جسماً وروحاً وعقلاً كاملا ً ، الأداةُ التي يتمُّ بها انتقالة الإنسان من تلك الحياة الى عالم الدنيا شيء ٌ مؤلم ومخيف وقتيا ً لدى مَن كان حافظا ً وحاملا ً له واقصد (الأمّ) وذاك الشيء المؤلم وتلك الأداة هي ما تُسمّى بالولادة ، ثُم ّ أبواه ُ من يهوداه أو ينصراه ُ أو يكون مسلما ً أو متدينا ً بأي ّ دين ٍ أو ربما ملحدا ً ؟! ويجب عليه البحث والتنقيب عن الحق ّ ، فما ورثه مِن أبويه لا يغني عنه شيئا ً ، فلا بد ّ من الوصول الى ما يريده الله تعالى منّا بتحكيم العقل في كلّ الأمور ، فيُحاسَبُ الإنسانُ على ما يعتقده بقلبه بدلالة العقل والفهم والعلم .
الحياة الرابعة هي حياة البرزخ ( حياة القبر ) فهي انتقال الارواح الى عالم آخر بعد خروج الروح من الجسد ، فتبدأ حياة جديدة للانسان وربما لا تكون هذه الحياة في نفس القبر كما يتصور البعض بما فيها من افاعي وعقارب ونيران او انها روضة من رياض الجنان بل يكون القبر رمزا ً لتلك الحياة ، وآخر موضع ٍ وأثر ٍ لذاك المخلوق الذي انفصل عن أحياء الدنيا بإداة غيبية اسمها الموت تلك الأداة الرهيبة والمهولة والمخيفة هي سبب انتقال الانسان من حياة الدنيا الى عالم البرزخ . إذن هي حياة روح لا جسد ولا عمل فيها ولا عبادة بل تصفية وتنقية لبعض الارواح وتهيأتها للعالم الآخر أو انها تكون لبعض الارواح روضة من رياض الجنان او حفرة من حفر النيران كما قيل ، وهي ربما محطة انتظار حتى تكتمل حياة الناس الثالثة (الدنيا) وتتمّة عملية الاختبار لهم ومن ثم تبدأ هذه الحياة ، فمّما جاء دليلا على وجود حياة البرزخ وصْفُ القران لآل فرعون ، قال تعالى؛ { النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب} (غافر:46)،
الحياة الخامسة وهي الحياة الآخرة الحياة السرمدية وهي مجهود عملك في حياتك الدنيا خيرا ً أم شرا ً ، تبدأ هذه الحياة والناس بين مَن كان في الحياة الثالثة (الدنيا) وبين من كان في حياة البرزخ ، قال تعالى ((فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ (7) وَخَسَفَ الْقَمَرُ (8) وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ (9) يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ (10) . ))
{ كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ * وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ * وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ * وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ * إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ } نفهم من سياق الايات الكريمة أن هذه الأمور تحدث في الحياة الدنيا . اما الايات التالية فهي دلالة على بداية الحياة الآخرة وقيام أهل البرزخ مِن قبورهم ، قال تعالى : {أفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ * وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ *}
إن ّ ما يدعو للتأمّل والملاحظة إن الناس في الحياة الثالثة (الدنيا) عندما تبدأ الحياة الآخرة (الخامسة) كيف تكون حياتهم الرابعة (البرزخ) بإعتبار إن القيامة تقوم وهم في الحياة الدنيا ؟؟ كيف يمرّون بها(الرابعة) وقد بدأت الحياة الآخرة وهم ينظرون علاماتها وآيات بدْئها مع استذكارنا لقوله تعالى : ((كُلّ نفس ٍ ذائقة ُ الموت))؟؟!!
إذ في الاية المباركة التالية علامات يوم القيامة والناس تشاهدها بل تدعو الله تعالى ان يكشف العذاب لتيقنّهم به وأنّه قادم لا محالة ، قال تعالى : (( فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ * يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ * رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ *)) بل حتى أنهم آمنوا في نهاية تلك الحياة الثالثة (الدنيا) وها هي الحياة الخامسة (الآخرة) قد بدأت فهذه الثُّلّة من الناس هي التي نتساءل عن حياتها الرابعة (البرزخ) !! وكيف تكون ؟ وكم تستغرق !! وهل هم مشمولون بحياة القبر إذ بعد حين سيبعثر ما في القبور فكيف يدخل هؤلاء اليها ومتى !!
تلك انتقالة الانسان من حياة الى أخرى ، حتى يصل الى الخلود ، فإما خالدا ً بكرامة أو خالدا ً بذلّ ٍ ومهانة !! ربّنا إنّا أخطأنا وأسرفنا على أنفسنا ومنك الرحمة والغفران
والصلاة والسلام على اشرف خلقه محمد وآله الطيبين الطاهرين وصحبه المنتجبين
*****