top of page

الفنون الإسبانية


فن الإسپاني هو جميع أنواع الفنون المرئية في إسپانيا وما أنتجه الفنانون الإسپان في العالم. وقد أسهم الفن الالإسپاني إسهاما بارزا في الفن الغربي (وكان له تأثير ملحوظ على الفن الإيطالي والفرنسي، بخاصة في عصر الباروك والكلاسيكية الجديدة) وأخرج العديد من الفنانين المشهورين مثل (دييگو ڤـِلازكويز، فرانسيسكو گويا وپيكاسو.

لم تعرف أسبانيا قط النهضة بالمعنى الإيطالي الغني على الرغم من الجريكو وفيلاسكيز، وسرفانتيس وكالديرون. فثروتها التي جاءتها من أقطار نائية أضفت على ثقافتها المسيحية زخارف جديدة، وأتاحت لها إجزال العطاء للوطنيين النابغين في الأدب والفن، ولكنها لم تتدفق كما تدفقت الثروة في إيطاليا وفرنسا إلى أي جهود مثيرة لاستعادة تلك الحضارة الوثنية التي ازدان بها عالم البحر المتوسط قبل المسيح وبعده، والتي أنجبت سنيكا ولوكان ومارتيال وكونتيليان وتراجان وهادريان على أرض أسبانيا ذاتها. لقد طغى على ذكرى العهد الكلاسيكي طول الصراع بين المسيحية الإسبانية والمغاربة، وكل الذكريات المجيدة كانت ذكريات ذلك الانتصار المتطاول، وغدا الإيمان الذي حققه مقترناً بتلك الذكرى الفخور لا ينفصل عنها. وبينما كانت الدولة تذل الكنيسة في كل أرجاء أوربا الأخرى، كان النظام الكنسي في أسبانيا يزداد قوة على الزمن، فتحدى البابوية وتجاهلها، حتى حين كان الأسبان يحكمون الفاتيكان، وعاش رغم الاستبداد الورع الذي فرضه فرديناند وشارل الخامس وفيليب الثاني، ثم سيطر على كل نواحي الحياة الأسبانية. وكانت الكنيسة في أسبانيا الراعي الوحيد تقريباً للفنون، ومن ثم فقد قررت اللحن الذي تريده، وحددت الموضوعات، وجعلت الفن كالفلسفة خادماً للاهوت. وعينت محاكم التفتيش الإسبانية مفتشين لتحريم العرى أو البذاءة أو الوثنية أو الهرطقة في الفن، ولتحديد طريقة تناول المواضيع المقدسة في النحت والتصوير، ولتوجيه الفن الأسباني وجهة التبصير بالإيمان وتثبيته.

*التأثير الإيطالي على أسبانيا.

ومع ذلك كان التأثير الإيطالي يتدفق إلى أسبانيا. فارتقاء الأسبان عرش البابوية وفتح ملوك الأسبان نابلي وميلان، وحملات الجيوش الأسبانية وبعثات رجال الدولة والكنيسة إلى إيطاليا، والتجارة الرائجة بين أسبانيا والثغور الإيطالية، وزيارة الفنانين الأسبان أمثال فورمنت وبيروجويتي وابنه لإيطاليا، والفنانين الإيطاليين أمثال توريجيانو وليوني ليوني لأسبانيا- هذه العوامل كلها أثرت في الفن الأسباني من حيث طرائقه وزخرفته وأسلوبه، ولم نؤثر تأثيراً يذكر في روحه أو موضوعه؛ أثرت في التصوير أكثر مما أثرت في النحت، وكانت أقل ما تكون تأثيراً في العمارة. وسيطرت الكاتدرائيات على مشاهد الريف والمدن سيطرة الدين على الحياة. فالرحلة في أسبانيا أشبه بالحج من هيكل إلى آخر من هذه الهياكل الجبارة. وضخامتها المهيبة، وغنى زخارفها الداخلية، وصمت أبهائها الذي يلفه ضوء خافت، وأشغال الحجر المكرسة التي تبني بها أروقتها، كلها تبرز البساطة والفقر الواضحين في مساكن الآجر الجميلة المتزاحمة في أسفلها وهي تتطلع إليها كأنها الوعد بعالم أفضل. وظل الطراز القوطي هو السائد في الكاتدرائيات الشامخة التي ارتفعت في سماء سلمنقة وسقوبية ولكن المعماري ديبجو دي سيلوي، وكان ابن نحات قوطي الفن، صمم الأجزاء الداخلية من كاتدرائية غرناطة بأعمدة وتيجان كلاسيكية، وتوج التصميم القوطي بقبة كلاسيكية.

وأزاح طراز النهضة الإيطالية الطراز القوطي إزاحة تامة في قصر شارل الخامس بغرناطة. وكان شارل قد وبخ أسقف قرطبة على إتلافه المسجد الكبير.

*التأثير المغربي على الاسبان.

وظهر شيء من ميل المغاربة للزخارف المعمارية في طراز "الأطباق" الذي طبع أكثر ما طبع المعمار المدني في ذلك العهد. وقد اشتق اسمه من الشبه بينه وبين الحلي المعقدة الرقيقة التي كان صائغو الفضة (البلاتيرو) أو الذهب يحلون بها آنية المائدة وغيرها من تحف فنهم. وقد ملأ هذا الطراز قمم وجوانب البوابات والنوافذ بأحجار ملتفة عربية الطراز، وحفر الأعمدة أو لولبها أو زهرها بخيال إسلامي غريب، وثقب النوافذ المصّبعة والداربزينات بورق شجر وبوشي من الرخام. وكان هذا الطراز طابع كنيسة أوبيسبو في مدريد، وكنيسة سانتو توماس في أفيلا، وخورس كاتدرائية قرطبة. وقد أطلق لنفسه العنان في قاعة مدينة إشبيلية. واقتبست البرتغال هذا الطراز على بوابة حفلت بالحلي وأعمدة نقشت بالزخارف في دير سانتا ماريا الفخم في بيليم ، وحمله شارل الخامس إلى الأراضي المنخفضة وألمانيا حيث نشر طابعه على قاعات مدينتي أنتورب وليدن وقلعة هيدلبرج. ولكن فيليب الثاني وجد في هذا الطراز إسرافاً في الزخرف لا يطيقه ذوقه، فمات موتاً مبكراً تحت عبساته. أما النحت الأسباني فقد خضع للمد الإيطالي المتعاظم بأيسر مما خضع المعمار. فبعد أن كسر بيترو توريجيانو أنف ميكل أنجيلو في فلورنسة، وتحدى هنري الثامن في لندن، استقر في إشبيلية وصنع من الطين المحروق تمثالاً غليظاً للقديس جيروم، ارتأى فيه جوياً رأياً خاطئاً، هو أنه أعظم أعمال النحت الحديث. وأحس توريجيانو أنه نقد أجراً حقيراً لقاء صنعه تمثالاً للعذراء، فحطمه شذر مذر، وقبضت عليه محكمة التفتيش فمات في سجونها. أما دميان فورمنت فقد حمل روح النهضة على إزميله وفي عباراته الطنانة بعد عودته إلى أرجوان من إيطاليا. كان يصف نفسه بأنه "قريع فيدياس وبراكسيتيليس". وتقبله الناس بالقدر الذي قدر به نفسه، فسمحت له السلطات الكنسية بحفر صور له ولزوجته على قاعدة حاجز المذبح الخلفي الذي صنعه لدير مونتي أرجوان. ثم صنع من المرمر لكنيسة نويسترا سينورا ديل بيلار في سرقسطة رافدة مذبح كبيرة بالنقوش ضئيلة بالبروز، مزج فيها العناصر القوطية بعناصر النهضة، والتصوير بالنحت، واللون بالشكل. وكرس فورمنت لرافدة مذبح أخرى في كاتدرائية وشقة في السنوات الثلاث عشرة الباقية من حياته.

أما صناع أسبانيا المهرة فكثيراً ما كانوا فنانين في كل شيء ولا ينقصهم غير الاسم. فقد ظلت أشغال التخريم والجلد تحظى بأرفع مكانة في أوربا. كذلك كان النجارون لا ضريب لهم، وعند تيوفيل جوتييه أن الفن القوطي لم يدن قط من الكمال دنوه في مقاعد المرتلين بكاتدرائية طليطلة. أما المشتغلون بالمصنوعات المعدنية فقد جعلوا من حجب الهياكل، ومصبعات النوافذ، وداربزينات الشرفات، ومفصلات الأبواب، بل من المسامير، تحفاً فنية. وأحال صاغة الذهب والفضة بعض المدن النفيس المتدفق من أمريكا حلياً للأمراء وآنية للكنيسة، واشتهر من أشغالهم الآنية التي صاغوها بتخريم الفضة أو الذهب لاحتواء القربان المكرس. ولم يقنع جل فيتشنتي بمكانته زعيماً لكتاب المسرحية في البرتغال وأسبانيا في هذه الفترة، بل صنع وعاء للقربان المقدس- يخرج به الكاهن على جمهور المصلين- قيل في تقديره "انه أروع أشغال الصياغة في البرتغال" وواصل فرانشيسكو دي هولاندا، البرتغالي برغم اسمه، زخرفة المخطوطات ببراعة، وهي فن كان بسبيله إلى الزوال.

الفتح العربي الإسلامي لأسبانيا

أن الفتح العربي الإسلامي لإسبانية نشر فيها الفن الإسلامي الأندلس الذي استمر في التطور حتى نهاية القرون الوسطى، متابعاً انتشاره في المغرب بعد أن بسط سلطانه على الجزء الغربي من المغرب كله. إلا أن الآثار التابعة للحقبة الأولى لهذا الفن زالت تقريباً، اللهم إلاّ بقايا ضئيلة منها جامع قرطبة وبقايا المدينة الفخمة «الزهراء». وفي حقبة حكم المرابطين والموحدين غدا الفن الإسلامي خصباً أصيلاً، غير أنه لم يبق من آثار هذه الحقبة إلا القليل ومنها مئذنة «الخيرالدا» (القرن الثاني عشر) وكذلك «قصر إشبيلية» (القرن الرابع عشر)، وكنيسة «سانتا ماريا دوبلانكا» في طليطلة. وفي الحين الذي كانت فيه الحضارة الإسلامية في نهاية القرن الثالث عشر وفي الرابع عشر آخذة في التقهقر، كانت العبقرية الإسلامية مع ذلك تبني أروع المباني كـ «قصر الحمراء» و«جنات العريف» من حوله في غرناطة. وبينما كان يتطور في إسبانية المسلمة فن رائع، بل أكثر روعة من بقية فنون أوربا ، فإن الدول المسيحية في الشمال بقيت في القرن التاسع أمينة وفية للتقاليد الفيزيقوطية التي اتسمت بوفرة جمالها كما في «سانتولانو دو لوس برادوس» وكذلك «سانتا كريستينا دونا رانكو». وشهد القرن العاشر تطور فن مسيحي متأثر بالفن الإسلامي في الأندلس، وقد تجلى ذلك في استخدام القوس العربي وكذلك الحنيات والمحاريب في بعض الكنائس المشابهة لمحاريب المساجد إضافة إلى العقود، ويبدو ذلك التأثير في كنائس «سان ميكل دوسيلانوفا» و«سان ميلان دولا كوغولا» و«سان بوديليو دوبيير لانفا>>

وقد أدت جهود الأساقفة ورجال الدين من أتباع القديس أوغستين إلى انتشار الفن الرومي (نسبة إلى روما في إيطاليا) إلى إيقاف مسيرة التعريب الفني في إسبانيا. وتابع هذا الفن تطوره في القرنين الحادي عشر والثاني عشر فاجتذب الحجيج إلى «سان جاك دو كومبوستيل»، وغدا منذ ذلك الحين الفن الوطني في الكثير من المناطق. ومن أجمل أمثلة هذا الفن ما يُرى في الكنائس الواقعة في الشمال الغربي ومنها كنيسة «سان جاك»، في حين انتشر في الشمال الشرقي فن رومي استوحى جذوره من شمال إيطاليا. ولم تمض مدة طويلة حتى عمّ الفن الرومي كل إسبانيا ولكنه في هذه المرة كان متحلياً بالسمة الأندلسية مما أدى في قشتالة إلى تكون النماذج الأولى للفن المدجن، إذ تظهر فيما بقي من القرون الوسطى أشكالٌ وأساليب فنية شديدة التوافق مع أشكال الفن الإسلامي وأساليبه، كالكنائس المبنية من الآجر والزخارف المتأثرة بالزخارف الإسلامية، ومثال ذلك كنيسة «خريستودولالوث» في طليطلة. أما العقود ذات الأقواس القوطية فكان أول ظهورها في إسبانية في المباني التي بقيت جزئياً رومية الأصل كما هي الحال في كتدرائية «زامورا» و«سلمنقة» حيث امتزجت التأثيرات الفرنسية بالإسلامية. ويُعدّ من أول أسباب ظهور هذه العقود ما بناه السيستريون من الأديرة الكبرى في بوبله وفيروله وسانتا كروزا و«سانتا ماريا دو هويرتا». وبدا التأثير الفرنسي واضحاً في كل من كتدرائية طليطلة وبورغوس، كما ظهر التأثير الفرنسي في شمال شبه الجزيرة في الفن القوطي الذي لم يتأقلم في البداية مع المنطقة، اللهم إلا في منطقة بورغوس في كتدرائيتها الصغيرة وكذلك في كتدرائية «أوسما» . ومن ثم في بامبولون في القرن الرابع عشر وبدايات القرن الخامس عشر، (وبامبولون هي إحدى المراكز المهمة للفن القوطي في جنوب البرانس). وقد شهدت دول حوض البحر المتوسط ، في كل من أراغون وقطالونية والباليار، في القرنين الرابع عشر والخامس عشر تطوراً معمارياً متألقاً يتصف بالأصالة ويقترب في البداية من الفن القوطي الفرنسي الذي يشاهد في كتدرائية برشلونة ، وجيرون، وبالمة، وميورقة، وبلنسية.

مواضيع سابقة
bottom of page