علاقة الانسان بنفسه

صراع الإنسان مع نفسه يمكن أن يكون على ضربين. الصراع السلبي... أو الصراع الإيجابي فأما الصراع السلبي.. فهو الذي تكون فيه العلاقة بين الإنسان ونفسه: علاقة التنافر والتضاد. حرب لا هوادة فيها. شعارها البغض والعداوة والأحقاد. فالنفس هنا هي ظالمة الإنسان.. الجامحة المتفلتة، الطامحة المسرفة، وهي سبب الهلكة والخسران...الخ وتزكيتها إنما تكون بما لا تستحق غيره من الاحتقار والقهر والإذلال... على طريقة أصحاب الديانات الهندية والفلسفات الغنوصية ومن شاكلهم. وأما الصراع الإيجابي... فهو الذي تكون فيه العلاقة بين الإنسان ونفسه: علاقة الواحد لا الاثنين. فنفس الإنسان هي هي ذاته. فإما النجاة لهما وإما الهلاك عليهما. كيف لا أيها الإنسان؟ وأنت منها، وهي منك. بل أنت هي، وهي أنت. غاية ما في الأمر... أن الإنسان مكلف بحسن تهذيبها وتربيتها. ومراقبتها لئلا تزل. ومحاسبتها لئلا تتمادى فتضل. فهذا ومتماته هو سبيل الارتقاء بالنفس الأمارة إلى درجات النفس المطمئنة. التي ترجع إلى ربها تعالى راضية مرضية. فتستحق بمحض رحمته، وعظيم جوده وكرمه الدخول في عباده المرضيين. الذين يدخلون الجنة آمنين مطمئنين. {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي (30)} سورة الفجر ولكنَّ قائلاً قد يقول: إن النفس.. قد ورد فيها الكثير، وقيل في ذمها ما هو أكثر. فكيف التوفيق بين ما تقول وما قد قيل؟ وهنا نسأل: أزواجنا وأولادنا... مَنْ مِن الناس أكثر حباً وقرباً منهم إلى قلوبنا؟؟؟ ومع ذلك ألم يقل الله تعالى فيهم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوّاً لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14)} سورة التغابن فكيف تكون علاقتنا بهؤلاء هل ننظر إليهم نظرة الأعداء؟ فنكن لهم الأحقاد؟ و نعاملهم باحتقار وإذلال؟؟؟؟؟ أم أن الواجب علينا أن نترفق بهم ونحنوا عليهم ونسعى في سبيل إصلاحهم وحسن تهذيبهم وتربيتهم من أجل الارتقاء بهم؟؟؟. الإنسان مركب من مختلفات وسبيله التكامل للظفر بالسعادة والنجاة ماء... وتراب جسد... وروح نفس... وعقل مُثُلٌ، طموح، أمنيات... رغبات، شهوات، نزوات... كل ذلك وغيره مجموع فيك أيها الإنسان وتزعم أنك جرم صغير *** وفيك انطوى العالم الأكبر ومع هذه التركيبة، العجيبة الغريبة. ينبغي على هذا الإنسان الشخص الواحد المستقل... في مظهره. المركب المتعدد، المتناقض المختلف... في حقيقته. أن يسعى إلى خالقه. سائراً في طريق مرضاته. حريصاً على طاعته. متمسكاً بشريعته. فهل تعينه على ذلك حرب شعواء ضروس. يلهب أوارها الإنسان على أقرب مخلوق إليه، وهي نفسه التي بين جنبيه. ومَن هم أطراف هذه الحرب؟ أفراد ذاته وأجزاء ماهيته!!! أذلك هو السبيل إلى تزكيتها؟ أم يعمل جاهداً من أجل التكامل بين هذه الأجزاء، من أجل الرفعة والارتقاء. سمواً بهذا الجسد إلى رفعة الروح. وبالنفس إلى حكمة العقل. مسترشداً بهدي الشريعة الغراء. مستعيناً بتوفيق مَن بيده مقاليد الأرض والسماء. صور من علاقة النفس بالإنسان في القرآن:- قد ورد ذكر النفس بما لها وما عليها في مواطن كثيرة من آيات القرآن الكريم. ولسنا في هذا المقام بصدد استعراض تلك الصور. أو استقراء عامة ما ورد عن النفس في كتاب الله تعالى. ولكننا نورد بعضاً مما ذكره الله تعالى عن علاقة الإنسان بنفسه. وما قد يعود به عليها إذا ما هو أهمل تزكيتها وتربيتها. مكتفين بروعة بيان القرآن عن أي تعليق أوبيان... أولاً: مَن هو الظالم ومن المظلوم، النفس أم الإنسان؟ {مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمْ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (117)} سورة آل عمران {قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ (23)} سورة ثانيأ: الإنسان هو من يضل نفسه {وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً (113)} سورة النساء ثالثاً: أعظم الخسارة خسارة الإنسان نفسه {قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (12)} سورة الأنعام {وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ (9)} سورة الأعراف رابعاً: الإنسان قد يكذب على نفسه {انظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (24)} سورة الأنعام خامسا: الإنسان هو مَنْ يهلك نفسه {وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (26)} سورة الأنعام سادساً: من يغير الآخر الإنسان أم نفسه {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (53)} سورة الأنفال سابعاً: بغي الإنسان على نفسه {فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (23)} سورة يونس ثامنا: إحسان الإنسان أو إساءته إنما هي على نفسه {إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيراً (7)} سورة الإسراء تاسعاً: المؤمن مأمور بوقاية نفسه وحمايتها {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (6)} سورة التحريم وما هذه إلا نماذج للذكرى فقط، وغيرها كثير وهو بالتدبر والتفكر . قد يسأل سائل: هذه الشهوات والنزوات والرغبات... ما وجه ميل النفس إليها، وحرصها على الظفر بها، أو النيل بنصيب منها؟؟؟ وربما يصح أن نقول: هذه الغرائز ليست شرورا مطلقة. بل إنها من لوازم ديمومة الإنسانية واستمرارها إلى ميعاد ربها. إذ لولاها لما أقدم الإنسان على كثير مما يتوقف عليه بقاء جنسه. فما الذي يحمله على الزواج وإنجاب الذرية وتحمل كافة تبعاتهما.. لولا تلكم الغريزة التي تشتد حاجة الإنسان لتلبيتها؟ وما الذي يحمله كسب الأموال وبذل المشاق في سبيل تحصيلها.. لولا تلكم الرغبات الحاجات التي لا بد له من السعي لسدها؟ وقس على ذلك غيره.... ولكن سد هذه الحاجات وتلبيتها ربما يكون بما يوافق الشرع. كما أنه قد يكون بما يخالفه. فالنفس تتمنى بطبعها التي جبلها الله عليه. ولكن الإنسان هو من سيلبي أو يخالف أمنياتها. وختاماَ حتم علينا لازم ... فهمُ أنفسنا، وإدراك العلاقة بييننا وبينها. في ضوء منهج الإسلام. مسترشدين بشرع الله سبحانه. مستبصرين بكتاب الله تعالى، وسنة رسوله عليه أزكى الصلاة وأتم السلام. وما تَرَكَ عليه قرون الخير من المحجة البيضاء. مستثمرين عقولنا التي منَّ الله بها علينا، وجعلها مناط تكليفنا وقيام الحجة علينا. متحررين من أسر القيل والقال. إلا ما وافق ضوابط الشرع وقواعده وأصوله. إلهـــي لا تـعـذبـنـي فإنـي *** مُـقِـرٌ بالـذي قـد كـان مـنــي فمـا لـي حيـلةٌ إلا رجائـي *** لعفوك إن عفوت وحسن ظني فكم من زلة لي في البرايا *** وأنـت علـيَّ ذو عفــوٍّ ومـنِّ يظنُّ الناسُ بي خيراً وإني *** لشرُّ الناسِ إن لم تعفُ عني بقلم د. أحمد عليوي حسين الطائي بتصرف جمال التميمي