خوف السلف من النفاق

كان الصحابة رضوان عليهم يتخوَّفون من الوقوع في النفاق؛..
قال ابن أبي مليكة:..
"أدركت ثلاثين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.. كُلُّهم يَخاف النفاق على نفسه"...
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:..
"والصحابة الذين أدركهم ابن أبي مليكة من أجَلِّهم: عائشة، وأختها أسماء،.. وأم سلمة، والعبادلة الأربعة،... وأبو هريرة، وعقبة بن الحارث،.. والمسور بن مخرمة،..
فهؤلاء ممن سمع منهم،..
وقد أدرَك بالسن جماعة أجل من هؤلاء؛.. كعلي بن أبي طالب،..
وسعد بن أبي وقاص،..
وقد جزَم بأنهم كانوا يخافون النفاق في الأعمال،..
ولم ينقل عن غيرهم خلاف ذلك، فكأنه إجماع؛..
وذلك لأن المؤمن قد يعرض عليه في عمله ما يَشوبه مما يخالف الإخلاص،..
ولا يلزم من خوفهم من ذلك وقوعُه منهم،..
بل ذلك على سبيل المبالغة منهم في الورَع والتقوى رضي الله عنهم"
وقال ابن علية:...
"أدركت سبعين من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم كلهم يخاف النفاق على نفسه".
ولقد أودعَ النبي صلى الله عليه وسلم سِرًّا لسيدنا حُذيفة بن اليمان،.. وأعطاه أسماءَ سبعة عشر مُنافقًا،.. أمره إذا توفَّاه اللهُ عز وجل ألا يُصلي عليهم،.. فجاء عمر بن الخطاب عملاق الإسلام والخليفة الراشد - الذي كان فذًّا عبقريًّا - يسألُ حذيفةَ بن اليمان،.. ويقول له: أُنشِدكَ الله:..
هل ذكرَ النبي صلى الله عليه وسلم اسمي مع المنافقين؟.. هذا لِعِظَمِ حقِّ الله عليه؛..
قال إبراهيم التَّيمي:..
"ما عَرَضْتُ قولي على عملي إلا خَشِيتُ أن أكونَ مُكذبًا".
وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله:..
"وممن كان يتعوذ من النفاق من الصحابة: حذيفة،.. وأبو الدرداء،.. وأبو أيوب الأنصاري، وأما التابعون فكثير..
قال ابن سيرين:... ما عليّ شيءٌ أخوفُ من هذه الآية: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ ﴾. [البقرة: 8].
وقال أيوب: كل آية في القرآن فيها ذكر النفاق أخافها على نفسي...
وقال معاوية بن قرة:..
كان عمر يخشاه وآمنه أنا!
وكلام الحسن في هذا المعنى كثير جدًّا،.. وكذلك كلام أئمة الإسلام بعدهم..
إن هؤلاء الكبار كانوا أبرَّ الناس قلوبًا،.. وأشدَّهم تعظيمًا للحُرُمات،.. وأبعدهم عن انتهاك حدوده،.. لكن الواحد منهم لكمال علمه بربه،..
وخوفه من مقامه،..
يرى الذنب الصغير - إن وقع فيه - كبيرًا،..
بل كان بعضهم يخاف من الرياء،.. وآخر يخاف أن يكون مُقصِّرًا في العمل،..
فيكون قوله مخالفًا لفعله،..
وآخرون ظنُّوا أن اشتغالهم بالمباح في بيوتهم مع زوجاتهم،.. وأولادهم مع وجود الخشوع والرقة في مجالس الذكر،.. ظنُّوا ذلك من النفاق؛.. فعَنْ حَنْظَلَةَ الأُسَيدي قَالَ: لَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ،..
فَقَالَ: كَيْفَ أَنْتَ يَا حَنْظَلَةُ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ،..
قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ،..
مَا تَقُولُ؟ قَالَ:..
قُلْتُ: نَكُونُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُذَكِّرُنا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ.. حَتَّى كَأَنَّا رَأْي عَيْنٍ،.. فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،..
عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَات،.
فَنَسِينَا كَثِيرًا،..
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَوَاللَّهِ إِنَّا لَنَلْقَى مِثْلَ هَذَا،..
فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،..
قُلْتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:..
((وَمَا ذَاكَ؟))،..
قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ،.. نَكُونُ عِنْدَكَ تُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ،..
فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِكَ عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ،.. ونَسِينَا كَثِيرًا،..
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:..
((وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ،.. إِنْ لَوْ تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَ عِنْدِي - وَفِي الذِّكْرِ- لَصَافَحَتْكُمْ الْمَلَائِكَةُ عَلَى فُرُشِكُمْ،.. وَفِي طُرُقِكُمْ، وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً ثَلَاثَ مَرَّاتٍ))؛..
رواه مسلم.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنَّه قيل له:..
"إنا نَدخُلُ على سُلطاننا، فنقول لهم بخِلاف ما نتكلَّمُ إذا خرجْنا من عندهم،... قال: كُنَّا نعدُّ هذا نِفاقًا"؛...
رواه البخاري.
وسَمِعَ رجلٌ أبا الدرداء يتعوَّذُ من النِّفاق في صلاته،.. فلمَّا سلَّم، قال له:... ما شأنك وشأن النِّفاق؟...
فقال: اللهمَّ غُفرًا ثلاثًا،..
لا تَأْمَن البلاءَ،.. واللهِ إنَّ الرجل ليُفتَنُ في ساعةٍ واحدة،.. فيَنقلِبُ عن دِينه..
السبيل إلى الخلاص من النفاق:..
اعلم أخي المسلم الكريم أن الإيمان يزيد وينقص،..
وإذا نقص الإيمان زاد النفاق،.. وإذا زاد النفاق ضعُف القلب،.. وصار قاسيًا والعياذ بالله؛.. فعلينا أن نسلك السبيل للتخلص من النفاق وعلاج نقص الإيمان، ومنها:..
1- التوبة ومحاسبة النفس والنظر في يوم القيامة..
2- الاستعانة بالله تعالى أن يُجنِّبنا النفاق والرياء وسوء الأخلاق...
3- الإيمان بالقضاء والقدر،.. والنظر إلى الدنيا بعَيْن الزوال،.. وأنَّها فانيةٌ لا محالة، فيذوب الجليدُ القاسي الذي تجمَّع فوق القلْب..
4- الخوف من الموت وسوء الخاتمة،.. وعاقبة المنافقين؛.. فقد جاء في الأثر عن ابن علية قال:... "من خاف النفاق أمِنه، وما أمِنه أحد إلا وقَع فيه"..
وقال الحسن البصري عن النفاق -:..
"مَا خَافَهُ إِلَّا مُؤْمِنٌ، وَلَا أَمِنَهُ إِلَّا مُنَافِقٌ"...
حب المؤمنين الصالحين ومخالطتهم،.. فمَن أحبَّ قومًا صار منهم..
5- النظر في سِيَر الصالحين المؤمنين...
6- معرفة صفات المنافقين والتحلي بضدها من أخلاق الإسلام...
نسأل الله العظيم أن يُجنِّبنا النفاق وشرَّ المنافقين إنه وَلِيُّ ذلك والقادر عليه..