خطورة النفاق والمنافقين

لخطور النفاق والمنافقين،.. جعل الله ثلاث عشرة آية في صدر سورة البقرة،..
بينما ذكر المؤمنين في أربع آيات،..
والكافرين في آيتين؛..
لذلك يقول الإمام الحسن البصري رحمه الله - يقول عن زمنه -:..
"لو كان للمنافقين أذناب،.. لضاقت بهم الطرقُ"،..
فكيف لو رأى زماننا؟!..
فكم من مَعقلٍ للإسلام قد هدَموه!.. وكم من حِصنٍ للإسلام قد خرَّبوه!..
وكم من عَلَمٍ للإسلام قد وضعوه!.. وكم من لواءٍ للإسلام قد طمَسوه!..
فما أخطرهم!...
والكافرين أقل منهم خطورة؛.. لأن الكافر تَعرفه الأمة،.. وتستعد له على قدر خطورته،..
أمَّا المنافق فهو مُندسٌّ بين الصفوف؛.. يصلي مع المصلين،.. ويذكر الله مع الذاكرين،.. ويرفع الراية مع الرافعين،.. وهو سائر على الدرب مع السائرين،..
ولا يظهر إلا عند التمحيص بالمحن والابتلاءات؛..
يقول تعالى: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ﴾..
[الحج: 11]،..
ويقول تعالى: ﴿ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ ﴾..
[المنافقون: 4]،..
فحصَر العداوةَ فيهم كأن لا عدوَّ غيرهم؛.. لأنهم شرُّ الأعداء...
ورُوي عن عمر رضي الله عنه أنه قال على المنبر:..
"إنَّ أخوفَ ما أخاف عليكم المنافِق العليم"،... قالوا: كيف يكون المنافِق عليمًا؟.. قال: يتكلَّم بالحِكمة،.. ويعمل بالجَوْر،.. أو قال: المنكر"؛ جامع العلوم والحكم.
فالمنافق عليم اللسان،.. يُقبِّح الحق ويُجمِّل الباطل ببيانه،.. وقد يستدل في مسعاه الخبيث هذا بقال الله وقال رسوله،.. حاملاً النصوص على غير محملها،..
فعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال:..
"إنَّ المنافقين اليوم شرٌّ منهم على عهْد النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، كانوا يومئذٍ يُسِرُّون، واليوم يَجهرون"؛..
رواه البخاري.
***ومِن أخطارهم:..
1- مُوالاتهم للكافرين وغدرهم بالمؤمنين:..
قال تعالى: ﴿ بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا * الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا * وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا﴾..
[النساء: 138 - 140].
2- شقُّ صفوف المؤمنين وتخذيلهم،.. والسعي إلى فرقة الأمة:..
قال تعالى:.. ﴿ وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا ﴾ [الأحزاب: 12]، وقال تعالى: ﴿ قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾...
[الأحزاب: 18].
ويتجلَّى خطرُهم في كونهم يتزيَّون بزِي الإسلام وهم أعتى أعدائه،.. ويتدثَّرون بدِثار الإسلام وهم مَعقِل الكفر،.. فيَحسَبهم العوام مُسلمين،.. فيتَّبعون كلامَهم،.. وما هم إلاَّ زنادقة يَقذِفون مَن أجابهم في النار،..
وما مسجد الضرار الذي بنَوه في المدينة عنا ببعيد،.. فكان الهدف منه تفريق كلمة الأمة.
لَمَّا خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى تبوك،..
ومرت الأيام،.. وعاد صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة، فأسرع إليه المنافقون؛ ..ليقوموا بدعوته إلى الصلاة في المسجد الذي بَنَوه، ..ولكن نزل جبريل في ذلك الوقت بالتحذير الإلهي من ذلك المسجد الضار بالمسلمين،... وذلك بمجموعة من آيات سورة التوبة: ﴿ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ ﴾ ...
[التوبة: 107، 108].
3- إفساد عقيدة العامة:..
فقد أفسدوا عقائد كثير من الناس،.. والمتتبِّع لجذور الانحراف العقَدي في تاريخ المسلمين،.. يجد المنافقين وراءه، ومن أبرز الأمثلة على ذلك فرقة السبئية التي وضع أُسسها المنافق اليهودي عبدالله بن سبأ، الذي أظهر الإسلام في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه،..
وأخذ يطوف البلاد الإسلامية ينشر معتقده، وقد لبَّس على العامة في زمن كان فيه كثير من الصحابة،...
حتى إن بعض أتباعه هدَّدهم علي رضي الله عنه بالموت حرقًا إن لم يرجعوا عن هذه العقيدة الضالة،..
فأصرُّوا وفضَّلوا الموت على الرجوع عن ضلالهم، وقد كان من نتيجة فتنة عبدالله بن سبأ مقتل الخليفة الثالث الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه،..
وما زالوا إلى الآن يبثون سمومَهم وأفكارهم الضالة عن طريق وسائلهم المخرِّبة للعقول...
4- التعاون مع أعداء الأمة:..
كان سقوط بغداد مركز الخلافة الإسلامية العباسية عام (656 هـ).. على يد المنافق الخبيث ابن العلقمي الرافضي... الذي تعاوَن مع التتار الذين قتَلوا جميع مَن يَقدِرون عليه من الرجال والنساء والوِلدان،...
والمشايخ والشبان،. 0حتى بلغوا مليون قتيل، ...
وقد كان ابن العلقمي وزيرًا عند الخليفة المستعصم يُظهر الولاء والنُّصرة،.. له فضل في الإنشاء والأدب،..
لكنه كان منافقًا يُضمر الحقد على الإسلام وأهله، كاتَب التتار وزيَّن لهم اجتياح بغداد،.. وكان ذلك بعد أن سرَّح الجند وصرَف الجيوش عن بغداد، ..حتى لم يبقَ منهم إلا عشرة آلاف، ...ثم أرسل إلى التتار يُسهِّل عليهم أمر اجتياح المدينة، ..فقدِموا وحدَث ما حدث.
وما استطاع أعداء الإسلام أن يدخلوا بلاد الإسلام في أي عهد من العهود،..
إلا عن طريق المنافقين،.. فهم يسمون في التاريخ بالطابور الخامس،.. نعوذ بالله منهم.
ولخطورتهم أمرَنا الله تعالى أن نتَّخذ منهم موقفًا واضحًا حازمًا، فلم يرضَ من المؤمنين أن يَنقسموا في شأنهم فئتين،...
فقال في شأنهم: .0.﴿ فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا ﴾... [النساء: 88].