الأمر الإلهي المشمول بالنفاذ الفوري

نعلم أن كلمة (الآن) في الزمن الفيزيائي... ليست تعبيراً للحظة وهمية للفصل بين الماضي والمستقبل،... وإنما هي لحظة لها وجود حقيقي ينسب إليها كل أعمالها الحاضرة في هذه الدنيا،... أما كلمة (الآن) في الأمر الإلهي (أمر الكينونة)... فقد جاءت آيات قرآنية عديدة تشير إليه،.. كما في قوله تعالى:... ( بديع السماوات والأرض وإذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون )[ البقرة]... (ما كان لله أن يتخذ من ولد سبحانه إذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون)... [مريم]... (والله غيب السماوات والأرض وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب إن الله على كل شيء قدير).... [ النحل].... وبالنظر إلى هذه الآيات الأربع:.. نجد أن الثلاث الأولى منها تتحدث عن تلك اللحظة الزمنية التي يفترضها الذهن... واقعة بين الأمر والكينونة،.. أما الآية الرابعة فإنها تتحدث عن لحظة النهاية الزمنية التي يأبى العقل إلا أن يفترض وجودها بين الأمر والفناء،... ولقد اختلف العلماء حول المدة الزمنية المنحصرة بين الأمر والكينونة،.. أو بين الأمر والفناء،.. هل هي موجودة أم غير موجودة،... وأعتقد أن الأمر الإلهي في الكينونة أو الفناء هي آن افتراضية لا وجود لها إلا في الذهن البشري،... لأن الله تعالى لا يأمر شيئاً إلا وهو موجود،... ولا يكون الشيء موجود إلا وهو مأمور بالوجود،... وبهذا فإن قضاء الأمر الإلهي لا يقدر بزمن أي لا يوجد وقت بين الأمر والكينونة .. ، أو بين الأمر والفناء.... وقد أشارت آية النحل إلى هذا المعنى حينما ذكرت أن لحظة الآن التي هي بين الأمر والفناء تمتد بين أصغر جزء،.... المعبر عن بلمح البصر،... وبين جزء أصغر منه لا يمكن قياسه فيزيائياً،... إذ أنه مجرد افتراضه ذهني فقط ليس له حقيقة موضوعية،.. وهو المعبر عنه بقول الله سبحانه.. (أو هو أقرب)... ولقد استعمل القرآن كلمة (الحين).. كثيراً بدلاً من كلمة (الآن)... ليدل على أصغر وحدة زمنية،... ولننظر إلى قول الله تعالى:.. ( إفَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (83) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ (84) وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ (85)... [الواقعة].... والحديث هنا عن اللحظة الزمانية الحاسمة التي تبقى للروح إن نقطعها بعد أن وصلت إلى آخر الحافة بين العالم المحسوس (الحلقوم) وأول عتبة من عالم الغيب المكنون.... وهذه هي بالضبط اللحظة التي لا أبعاد لها ولا يمكن أن يكون لها تقدير في معايير العالم المحسوس،.. وذلك لأن سرعة الروح غير معروفة،... ولأن الحد الفاصل بين عالم الحس وعالم الغيب غير معروف.... ولهذا صورت الآية حيرة الجالسين بجوار المحتضر وهم لا يدرون ماذا يفعلون،... ولا يملكون من الأمر شيئاً.. وبهذا يكون (الحين) أو (الآن)،.. أي أمر الكينونة وأمر الفناء عند الله جزءاً زمنياً ليس له وجود في الزمن الفيزيائي،... وإنما وجوده ذهني فقط وحقيقة علمه عند الله تعالى ...