top of page

صفة النار .. مكان النار


اختلف العلماء في موقع النار الآن فقال بعضهم: هي في الأرض السفلى، وقال آخرون: هي في السماء، وقال آخرون بالتوقف في ذلك، وهو الصواب، لعدم ورود نص صريح صحيح يحدد موقعها، ومن الذين توقفوا في هذا، الحافظ السيوطي قال: "" وتَقِفُ عن النار، أي: تَقُُولُ فيها بالوقف، أي محلها، حيث لا يعلمه إلا الله، فل يثبت عندي حديث أعتمده في ذلك "". وقال الشيخ ولي الله الدهلوي في عقيدته: ""ولم يصرح نص في تعيين مكانهما (أي الجنة والنار) ، بل حيث شاء الله تعالى، إذ لا إحاطة لنا بخلق الله وعوالمه "" ،وقال صديق حسن خان عقب إيراده لقول الدهلوي هذا: "" أقول: وهذا القول أرجح الأقوال وأحوطها إن شاء الله تعالى "". اما سعة النار وبعد قعرها: النار شاسعة واسعة، بعيد قعرها، مترامية أطرافها، يدلنا على هذا أمور: الأول: الذين يدخلون النار أعداد لا تحصى، ومع كثرة عددهم فإن خلق الواحد فيهم يضخم حتى يكو ضرسه في النار مثل جبل أحد، وما بين منكبيه مسيرة ثلاثة أيام، ومع ذلك فإنها تستوعب هذه الأعداد الهائلة التي وجدت على امتداد الحياة الدنيا من الكفرة المجرمين على عظم خلقهم، ويبقى فيها متسع لغيرهم وقد أخبرنا الله بهذه الحقيقة في سورة ق فقال: (ويوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد) [ق: 30] . إن النار تشبه الطاحونة التي ينحدر إليها ألو وألوف من أطنان الحبوب فتدور بذلك كله لا تكل ولا تمل، وينتهي الحب والطاحونة تدور انتظاراً للمزيد. وقد جاء في حديث احتجاج الجنة والنار أن الله يقول للنار: "" إنما أنت عذابي أعذب بك من أشاء من عبادي، ولكل واحدة منهما ملؤها، فأما النار، فلا تمتلئ حتى يضع رجله – وفي رواية حتى يضع الله تبارك وتعالى رجله – فتقول: قط قط قط، فهنالك تمتلئ، ويُزوى بعضها إلى بعض، ولا يظلم الله من خلقه أحداً "" روا البخاري ومسلم عن أبي هريرة. اما سعة النار وبعد قعرها: النار شاسعة واسعة، بعيد قعرها، مترامية أطرافها، يدلنا على هذا أمور: الثاني: يدل على بعد قعرها أيضاً أن الحجر إذا ألقي من أعلاها احتاج إلى آماد طويلة حتى يبلغ قعرها، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، إذ سمع وَجْبَة فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "" تدرون ما هذا؟ قلنا: الله ورسوله أعلم. قال: هذا حجر رمي به في النار منذ سبعين خريفاً، فهو يهوي في النار إلى الآن "". وروى الحاكم عن أبي هريرة، والطبراني عن معاذ وأبي أمامة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "" لو أن حجراً مثل سبع خلفات، ألقي من شفير جهنم هوى فيها سبعين خريفاً لا يبلغ قعرها "". الثالث: كثرة العدد الذي يأتي بالنار من الملائكة في يوم القيامة، فقد وصف الرسول - صلى الله عليه وسلم - مجيء النار في يوم القيامة، الذي يقول الله فيه: (وجاىء يومئذ بجهنم) [الفجر: 23] ، فقال: "" يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف ملك "" رواه مسلم عن عبد الله ابن مسعود . ولك أن تتخيل عظم هذا المخلوق الرهيب الذي احتاج إلى هذا العدد الهائل من الملائكة الأشداء الأقوياء الذين لا يعلم مدى قوتهم إلا الله تبارك وتعالى. الرابع: ومما يدل على هول النار وكبرها أن مخلوقين عظيمين كالشمس والقمر يكونان ثورين مكورين في النار، ففي ""مشكل الآثار"" للطحاوي عن سلمة بن عبد الرحمن قال: حدثنا أبو هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "" الشمس والقمر ثوران مكوران في النار يوم القيامة "". ورواه البيهقي في كتاب ""البعث والنشور"" وكذا البزار والإسماعيلي والخطابي، بإسناد صحيح، على شرط البخاري، وقد أخرجه في صحيحه مختصراً بلفظ: "" الشمس والقمر مكوران في النار "". دركات النار ..!!! النار متفاوتة في شدة حرها، وما أعده الله من العذاب لأهلها، فليست درجة واحدة، وقد قال الحق تبارك وتعالى: (إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار) [النساء: 145] . والعرب تطلق: "" الدرك "" على كل ما تسافل، كما تطلق: "" الدرج "" على كل ما تعالى، فيقال: للجنة درجات وللنار دركات، وكلما ذهبت النار سفلاً كلما علا حرها واشتد لهيبها ، والمنافقون له النصيب الأوفر من العذاب، ولذلك كانوا في الدرك الأسفل من النار. وقد تسمى النار درجات أيضاً، ففي سورة الأنعام ذكر الله أهل الجنة والنار، ثم قال: (ولكلٍ درجاتٌ مما عملوا) [الأنعام: 132] ، وقال: (أفمن اتبع رضوان الله كمن باء بسخط من الله ومأواه جهنم وبئس المصير* هم درجاتٌ عند الله..) [آل عمران: 162 - 163] ، قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: "" درجات الجنة تذهب علواً، ودرجات النار تذهب سفلاً "" . وقد ورد عن بعض السلف أن عصاة الموحدين ممن يدخلون النار يكونون في الدرك الأعلى، ويكون في الدرك الثاني اليهود، وفي الدرك الثالث النصارى، وفي الدرك الرابع الصائبون، وفي الخامس المجوس، وفي السادس مشركوا العرب، وفي السابع المنافقون . ووقع في بعض الكتب تسمية هذه الدركات: فالأول جهنم، والثاني لظى، والثالث الحطمة، والرابع السعير، والخامس سقر، والسادس الجحيم، والسابع الهاوية. ‎ولم يصح تقسيم الناس في النار وفق هذا التقسيم، كما لم يصح تسمية دركات النار على النحو الذي ذكروه، والصحيح أن كل واحد من هذه الأسماء التي ذكروها: جهنم، لظى، الحطمة ... إلخ اسم علم للنار كلها، وليس لجزء من النار دون جزء، وصح أن الناس متفاوتون على قدر كفرهم وذنوبهم.

مواضيع سابقة
bottom of page