top of page

"سكرات الموت ( خروج الروح ) تحصل لكل المخلوقات"


كل المخلوقات تجد سكرات الموت ويشهد لهذا عموم قوله تعالى "كل نفس ذائقة الموت" (عمران: 185)، وقوله صلى الله عليه وسلم :إن للموت سكرات ولكن تختلف المخلوقات في درجة إحساسها بالسكرات . فالعبد المؤمن تخرج روحه بسهولة ويسر، ودليل ذلك ما ورد في حديث البراء بن عازب أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال عن وفاة المؤمن: ( ثم يجيء ملك الموت عليه السلام حتى يجلس عند رأسه فيقول: أيتها النفس الطيبة وفي رواية: المطمئنة اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان، قال: فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من فيِّ السقاء، فيأخذها...) . أما الكافر فإن روحه تخرج بشدة وصعوبة يتعذب بها، لقوله صلى الله عليه وسلم في حديثه عن وفاة الكافر وفي رواية الفاجر : (ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه فيقول: أيتها النفس الخبيثة اخرجي إلى سخط من الله وغضب قال: فتفرق في جسده، فينتزعها كما ينتزع السفود الكثير الشعب يمن الصوف المبلول، فتقطع معها العروق والعصب. هذا بالجملة وإلا فإنه قد تشتد السكرات على بعض الصالحين؛ لتكفير ذنوبهم، ولرفع درجاتهم، كما حصل للرسول صلى الله عليه وسلم حيث عانى من شدة سكرات الموت، كما في صحيح البخاري ... قال ابن حجر: وفي الحديث (لا إله إلا الله إن للموت سكرات): أن شدة الموت لا تدل على نقص في المرتبة، بل هي للمؤمن إما زيادة في حسناته، وإما تكفير لسيئاته وقد ترجم ابن ماجه في سننه بعنوان: (باب ما جاء في المؤمن يؤجر في النَزْع)، وساق تحته قولـه صلى الله عليه وسلم: (المؤمن يموت بعرق الجبين) ، كما قد جاء في حديث آخر قوله صلى الله عليه وسلم: الشهيد لا يجد ألم القتل إلا كما يجد أحدكم ألم مس القرصة. وهذا يدل على أن الأصل تخفيف نزع روح المؤمن، إلا أنها قد تشدّد على من أراد الله سبحانه وتعالى من المؤمنين؛ تكفيراً لسيئاتهم، أو رفعاً لدرجاتهم؛ قال القرطبي في معرض حديثه عن سكرات الموت: قال القرطبي: (قال علماؤنا رحمة الله عليهم: فإذا كان هذا الأمر قد أصاب الأنبياء والمرسلين والأولياء فما لنا عن ذكره مشغولين, وعن الاستعداد له متخلفين, قالوا وما جرى على الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين من شدائد الموت وسكراته فله فائدتان: أحدهما: أن يعرف الخلق مقدار ألم الموت وأنه باطن، وقد يطلع الإنسان على بعض الموتى فلا يرى عليه حركة ولا قلقاً، ويرى سهولة خروج روحه، فيغلب على ظنه سهولة أمر الموت ولا يعرف ما الميت فيه، فلما ذكر الأنبياء الصادقون في خبرهم شدة ألمه مع كرامتهم على الله تعالى، وتهوينه على بعضهم قطع الخلق بشدة الموت الذي يعانيه ويقاسيه الميت مطلقاً لإخبار الصادقين عنه، ما خلا الشهيد قتيل الكفار.... الثانية: ربما خطر لبعض الناس أن هؤلاء أحباب الله وأنبياؤه ورسله، فكيف يقاسون هذه الشدائد العظيمة؟ وهو سبحانه قادر أن يخفف عنهم أجمعين. فالجواب: أن أشد الناس بلاءً في الدنيا الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل كما قال نبينا عليه السلام... فأحب الله أن يبتليهم تكميلاً لفضائلهم لديه، ورفعة لدرجاتهم عنده، وليس ذلك في حقهم نقصاً ولا عذاباً، بل هو.. كمال رفعة، مع رضاهم بجميل ما يجري الله عليهم، فأراد الحق سبحانه أن يختم لهم بهذه الشدائد، مع إمكان التخفيف والتهوين عليهم، ليرفع منازلهم، ويعظم أجورهم قبل موتهم، كما ابتلى إبراهيم بالنار، وموسى بالخوف والأسفار وعيسى بالصحارى والقفار، ونبينا محمداً صلى الله عليه وسلم بالفقر في الدنيا ومقاتلة الكفار، كل ذلك لرفعة في أحوالهم وكمال في درجاتهم. ولا يفهم من هذا أن الله شدد عليهم أكثر مما شدد على العصاة المخلطين؛ فإن ذلك عقوبة لهم، ومؤاخ على إجرامهم، فلا نسبة بينه وبين هذا . فشدة السكرات تخفف من الذنوب، وكل ما يصيب الإنسان من مرض أو شدة أو هم أو غم حتى الشوكة تصيبه فإنها كفارة لذنوبه، ثم إن صبر واحتسب كان له مع التكفير أجر ذلك الصبر الذي قابل به هذه المصيبة التي لحقت به، ولا فرق في ذلك بين ما يكون عند الموت، وما يكون قبله، فالمصائب كفارات لذنوب المؤمن، وقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه: ما من مسلم يصيبه أذى من مرض فما سواه إلا حط الله به سيئاته كما تحط الشجرة ورقها،وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: من يرد الله به خيراً يصب منه|وقوله صلى الله عليه وسلم: (ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب ولا سقم ولا حزن حتى الهمّ يهمّه إلا كفر به من سيئاته، وفي رواية قال صلى الله عليه وسلم: (ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه).

مواضيع سابقة
bottom of page