عصابة الرداء الأبيض

نحنُ نحب كل أطفالِ العالم،... نزرعُ الورودَ في كل مكان،... نكرهُ الحقدَ ونزرعُ المحبة،..
لتحقيقِ أحلامكم انضمُّوا إلى: عصابة الرداء الأبيض!..
انضمُّوا إلينا الآن،...
أو استعدُّوا للقتال!..
انضمُّوا.... انضمُّوا.....
كان هذا شعار عصابةِ الرداءِ الأبيض في الرسومِ الكرتونية (بوكيمون)،..
الذي اشتهر في فترةٍ سبقت،.. حفظتُه لكثرةِ ما كان أخي الأصغر يردِّدهُ أمامنا... وهو يصوِّب مسدَّسه المائي نحوَ رؤوسنا،..
فإمَّا أن ننضمَّ إلى عصابتهِ الشقيَّةِ البريئةِ تلك،...
وإما أن نستعدَّ للقتال ونُعلن استسلامنا على الفور!...
كنا في حينها نستسلمُ للضَّحك... ونكتفي بنزع السلاح المائي مِن يده المخرِّبة،.. فيجن جُنونه،..
ثمَّ لا يلبث أن يهدأ بعدها ويَخلد للنوم...
مضت تلك اللحظات،.... ومضت معها الذكرياتُ،... وكبِرَ أخي الأصغر،..
لكن عادت تلك الجملة ترنُّ في أذنَيَّ!..
تلك الجملة التي لطالما كانت تُضحكني،... أصبحتُ اليوم أحذِّرُ منها كلَّ الحذر،...
فقد باتت اليومَ شعارًا جديدًا تَتناقله الألسنة،.... وتتداوله الصحُف والكتب والمجلات في كل مكان،...
فإن ذهبتُ لشراء كتابٍ جديد،.. بهَرني بشكلِه البراق وعنوانه الأخَّاذ،... حتَّى إذا ما فتحتُه واطَّلعتُ على مضمونه،... وجدتُه يتبنى شعار عصابةِ الرداء الأبيضِ بكل حذافيرِه،..
أو على الأقل يخدمُ أهدافها الخبيثة،.. وإن اطلعتُ على المنتديات (الإنترنتية) الحافلة،.. أو المجموعات (الفيس بوكية)،.. وجدتُها تذخر بالمئات،..
بل الألوف،... ممَّن يتبنَّى الشعارَ الأجوفَ نفسه،.. أو يدعمه على الأقل،... ويخدمه بكل إخلاصٍ ومحبةٍ وتفانٍ،..
ربما دون أن يدري بأنه يَخدم شعارًا أجوفَ،... وربما كان يدري،.. وحده الله يعلم!..
لكن الأمر الوحيد الذي أنا على يقينٍ منه... هو أنَّ كل مَن يُنادي اليوم بالإنسانيةِ المغشاةِ،.. وبالسلامِ الزائفِ،.. والحب المتنازلِ المطلَقِ،.. والتسامحِ معَ المجرمين،... ورفض الجهادِ ومقاومةِ المغتصبِ... واعتبارهما إرهابًا أو تطرفًا،...
يُنادي بسلامٍ زائفٍ،.. وخنوعٍ هادفٍ،.. هدفُه قتلُ الحقِّ بإعداد أمَّةٍ شبابُها لا يُطالب به،..
هو بالتالي أحد أعضاء عصابةِ الرداءِ الأبيض!...
ومَن منا يكرهُ السلام؟.. مَن منا يكرهُ المحبةَ والورود البيضاء؟!...
ومَن على الصعيد الآخر يُنادي بالسلام ويتغنَّى به،... وهو في الوقت عينه يُنكِّل بالشعور وبالمحبة،... ويقتلع الورود البيضاء،... ويدوس عليها في كل مكان؟...
أليسوا هم اليهود الصهاينة المجرمين وأعوانهم،.. مؤسسي عصابة الرداء الأبيض؟!..
أليسوا هم من يقطف الورد،.. ويزرع الشر والأشواكَ بدلًا منها في كل أرضٍ طيبة،.. ويدسُّ سمومه مِن الأفكار والمبادئ المشوَّهة بين أبناء المسلمين؛.. ليُخرِّب عقيدتهم،..
ويفلَّ تَماسكهم ووَحدتهم،.... ويُفسد بلادهم؟..
ثم يأتي مِن بين المسلمين مَن يدعمُ هذه العصابةَ الرديئة،.. وينشرُ فكرَ الهوانِ والخنوعِ والذلِّ والاستسلام والخِذلان،.. باسم الحكمة والعلم والتنوير!..
للأسف الشديد،....
هذا ما يَحصلُ اليوم؛... كثيرٌ من الشباب المسلم تمَّت عملية غسيل معقَّدةٌ مدروسة ومنظَّمة لعقولهم،... فصاروا لا يرون أبعد مما يُعرض عليهم من أفكار مصدرةٍ خصيصَى لهم ليَتلقَّفوها دون مناقشة ولا اعتراض،..
وإلا تمَّ نفْيُهم أو اعتبارهم جهالًا ذوي وعيٍ أقل،..
بحسبِ مقاييسِ الغربِ للوعي،.. مع كل ما للغربِ من انحرافٍ في القياسِ على كل المقاييس!..
وبذا ينفون كل مَن يُخالفُهم ويخالفُ أفكارهم الدخيلةَ المتطفِّلةَ على الإسلام وأهله،.. التي لا تراعي إلًّا ولا ذِمَّةً ولا حُرمةً ولا نصًّا ولا دليلًا،...
حتى ولو كانَ واضحًا بازغًا كبزوغِ الشمسِ في وضحِ النهار!... لا تراعي ولا حتى أخوةً في الله ومحبةً بين مسلمٍ وأخيه،..
وهذا من أهم أساساتِ الإسلام،.. ومعظمُ بناء الإسلام - إن لم نقل: كله - مرتكزٌ عليها،..
فترى المسلمَ يمقتُ أخاه المسلمَ ويَزدرِيه،.. وينقصُ من شأنهِ ويتعالى عليه،..
ويصنِّفهُ في خانةِ المضللينَ التابعين المُشفَّرين؛... لأنهُ باتَ يراهُ كما أقنَعوه،.. وكما علَّموه،.. فاقدًا للحسِّ الإنساني،... منعدمَ الفكرِ والوعي،... مع أنهُ قد يكونُ في كثيرٍ من الأحيان سابقَهُ في الوعي وفي الفكر،..
لكن الرُّؤيا والتفكير باتا مغشيين،.. والبصيرة صارت شِبْهَ مُنعدمة،.. والغفلةُ تسرحُ وتمرح!
للأسفِ الشديد،..
هذا هو الواقع،.. وهذا هو الحالُ المؤسفُ والمؤلمُ الذي نجحَ المتآمرونَ في إيصالِ الكثير من شبابِنا إليه،.. بل وأيضًا من مفكرينا المعاصرين (المتنوِّرين)،...
كما نجَحوا في إقناعهم بأنه ما من مؤامرةٍ تُحاكُ وتُحبَك... ، وبأن كل ما يَحدثُ لنا يحدثُ بسببِ أخطائنا وتقصيرِنا وقلةِ وعيِنا -.. وهذا لا يخلو من الصحةِ بشكلٍ أو بآخر -.. وبأنَّا وعلى رغمِ كل هذا التآمرِ والعبث،..
إنما محاطونَ بالأيادي الخارجيةِ المُخلصة،... الرحيمةِ المصلحةِ الخيِّرةِ البيضاء،... التي تشفقُ وتتحنَّن،... وتُسدي النصائحَ المجانيةَ بداعي المحبة العارمة،.. والإنسانيةِ الملهوفة،...
التي تهطلُ علينا مكللةً بالوردِ وبالسلام،.. المدجج بالحب وبالوئام!..
كثيرٌ مِن شبابِ المسلمين يُدافِعون اليوم عن الباطل... ويُقاتِلون لأجله قتالًا مستميتًا،.. ويا ليتَهم يُقاتِلون ولو جزءًا بسيطًا من هذا القتال لأجل إحقاق الحق ونصرته،...
ولو أنهم فعَلوا ذلك... لكُنَّا اليوم في أفضل الأحوال،...
لكن السهم المؤلم يكون أشد إيلامًا إذا كان مصوبًا من الأخ نحو رأس أخيه،..
أتكلم عن السهام الحقيقية،... وليس عن مسدَّس مائي لطفلٍ بريء لا يعلم ما يَجري حوله،.. فوالله إن كل فكرةٍ ملغمةٍ مِن شأنها خدمة الصهاينةِ وأعوانهم الخبثاء من ماسونيين.. ومُلحدِين وعلمانيين،... يقوم بنَشرها أحد إخواننا المسلمين تَقتُلُنا بدلًا من المرة آلاف المرات،...
وتُشعرنا بالقهر على هذه الأمة التي عرَف أعداءُ الدينِ كيف يُشتِّتونها ويُضلِّلونَها،... ويُزيِّفون معالمَها وقناعاتِها،....
ويُبدِّلونَ ثوابتَها ومبادئها القويمةَ والمتينة عن طريق التسرُّب عبر فكرِها والتغلغُل فيه؛...
للتفرقةِ بينَ أبنائهِ وزرعِ الكرهِ بينهم،.. ونزعِ كل المعاني الجميلةِ التي زرعَها الدينُ القويمُ فيهم وشدَّد عليها،..
كالتآخي والتناصُحِ والتحاببِ،.. والتعاونِ على البرِّ والتقوى،.. والدعوةِ إلى الخيرِ والأمرِ بالمعروفِ والنهيِ عن المُنكَر،.. فباتتْ هذه الجمالياتُ والمبادئُ الإسلاميةُ السامية.... هي المنكر.. الذي ينبغي إنكارُه ومحاربته ونبذُهُ وإزالته واستئصاله،.. في عُرفِ قاموسهم المعاصر التنويري المُعتم!..
جل ما أخشاه أن يَنخدِع المُفكِّرون من الشباب المسلمين الذين نعتزُّ بهم وبفكرهم النير،.. وأن يصدِّقوا فكرة السلام الزائف تلك، لا سلام ما دامت الحرب مُعلَنة علينا،.. وحقنا مُغتصَبًا..
مهما كانت الأسباب التي أدَّت لوصولِنا إلى ما نحن عليه،.. وحتَّى لو كنا مُساهمين في جزءٍ من المشكلة،..
أو في أجزاء كثيرةٍ منها،.. علينا الاعتراف بأننا جميعًا معنيُّون،.. وأننا جميعًا مَسؤولون أمام الله وأمام أنفسنا وإخوتنا،..
نحن مطالبون بالدفاع عن الحق.. ونصرتِه... أينما كان هذا الحق... إذا كان حقًّا مغتصَبًا لمسلمٍ أخٍ لنا في الدِّين،..
فلا يضيعُ حقٌّ وراءه مُطالب،.. والساكتُ عن الحق شيطانٌ أخرس،
﴿ وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ ﴾ [آل عمران: 98]،..
﴿ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا ﴾
[النساء: 79].
نعم؛ ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾
[الرعد: 11]،..
فلنغيِّر ما بأنفسنا معًا،... ولنحاول أن نكون على سلامٍ ووئامٍ وتلاقٍ فيما بيننا كمُسلمين،...
لنحاول أن نتجنَّب الخلاف إذا وُجِد الاختلاف أو أوجدوه،... أو سيرونا باتجاهه..
فلنعد للتناصحِ والمشورةِ ودفعِ الزيف،.. ولنتعاهد على الصدقِ ونفيِ التدليس،...
ولنتواصَ على الحق والصبر؛... كي نكونَ ممن استثناهم الله من الخسارة في الآيةِ الكريمةِ حينَ قال:
﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾
[العصر: 2، 3]...
فلنتواصَ ولنتناصح،.. ولنتوخَّ الأصلحَ والأصحَّ،..
وليُكمل بعضنا بعضًا،.. فلا أحدَ منا كامل، وكلنا خطاؤون؛.. ولذا شرع اللهُ المناصحةَ والتواصي،.. فلا عصمةَ ولا كمال إلا على ضوءِ الوحي، مِن كتابٍ وسنَّة،..
والفهمِ المنقولِ المتواترِ والصحيح،... أو الفهم المعقولِ المتوازنِ السليم المُنضوي تحتَ أطُرِ الشريعة،.... الملتزمِ بحدودِها،.. المستقي منها غيرِ المُبتدع،... المتبع فيها وبكل مجتهدٍ مسلمٍ عالمٍ حقيقي مستنيرٍ منتفع،..
فالشريعةُ تَحتوي العقلَ وتُزكِّيه،.. وتُعنى به أشد العناية، لكنها قد تتخطاهُ لأنها أوسعُ منه،...
فلا هو يسابقُها ولا هو ينافسُها، بل هي تقرُّ به وهو يثبتُها،..
فإن لم يُضاهِها ولم يفهم الحكمةَ من بعضِ أحكامِها،...
سلَّمَ تسليمًا كاملًا،.. مُعترِفًا بالعجزِ أمامَ عظمةِ الحق وسَعةِ الحقيقةِ والعلمِ التي تخطَّت قدرته!..
لنطبِّق ما قاله الله لنا قبل أن نردِّد أقوال بوذا الهندوسي وغيره ممَّن ضلُّوا وأضلُّوا،..
أو أقوالَ المسلسلاتِ الأجنبيةِ المنحلَّة،.. والأغاني السخيفة الهابطة،.. والكتب التنويرية المعتمة،.. النضاحة بالمادة،.. المثقلة بالتخففِ مِن كل ما هو روحي ما خلا ذاكَ الروحي المطلَق ذا الشطحات،..
غير المقيدِ بقيودِ الوحيِ ودلالاتهِ وأسسهِ وحدوده،...
المرتكز على الذات، الفارَّ من تقديسِ الإلهِ وغايةِ الخلقِ الأساسية،...
ألا وهي تحقيقُ العبودية،.. إلى تقديس الإنسان وتعزيز عبادتهِ لنفسه وذاته!..
فلنحذر كل هذه الترهاتِ،.. ولندقِّق فيها مليًّا،.. تلكَ التي تخلط العلمَ بالوهمِ،... وتقدِّمُ الغث على السمين،..
وهي التي باتت منبعَ الحكمِ على النصوصِ،.. وركيزةَ انحلالِ الثوابت ومصادرها عند أغلبِ شبابِ المسلمين،... ومقياس تصنيفِهم للحق من الباطلِ في شرائعنا القويمةِ التي لا يأتيها الباطلُ من بين يديها ولا من خلفِها،...
فلنجعل شرائعنا هي المقياس الذي نختارُ على أساسهِ أي فكر نقرأ، وأية مبادئ تنويريةٍ نتلقفُ ونتشرَّب،... فلنكن منفتِحين مستنيرين،... لكن على أسسٍ متينةٍ ثابتة،.. مفكِّرين عقلانيين على مرأى ورقابةٍ من عين بصيرةٍ نافذةٍ لا تنطفئ،... معتصمةٍ بحبلِ الله، منه تستقي نورها وحكمتَها وعلومَها،..
ولنورِ أحكامِ كتابهِ وسنَّة نبيِّه تبقى لازمةً وبها متمسكة،.. وبفرقانٍ من الله لا يُؤتيه إلا المتقين تبقى متنعمةً آمنةً مطمئنة، تفرِّق بين الحق والباطل، فلا تضل أو تضيع...
فلنطبق حكمة القرآن في قوله تعالى... لكي ننالَ وعدَ الله في كتابهِ الكريم حينَ قال جلَّ مِن قائل:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا ﴾
[الأنفال: 29]،..
وقال:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحديد: 28]...
شبكة الالوكة...