
موقع أنفاس الروح

العدد الثالث
الجزء الواحد والعشرون (٢١)
كانت عملية حمل أو بالأحرى سحب درداس إلى غرفة المشفى الملحقة ببيت العطار مهمة شاقة مضنية. '..فلم يستطيع الرجلان على قوتهما وبأسهما حمله... فاضطروا إلى سحبه بهدوء.. وفي الظلام إلى داخل الغرفة ومجاهدة انفسهما لوضعه على السرير الجانبي على بطنه في الغرفة بشق الأنفس... وتنفسا الصعداء ينظر بعضهم إلى بعض وكأنهما يقولان يا الله ما اضخمه !!.. من هذا الرجل ؟؟
هذا ما قرأ نعمان في نفَس العطار المقطوع ... هرع العطار إلى أدواته واحضر مقصا بدأ يقص قميص درداس من جهة ظهره برفق... وهو يتمم بكلمات يذكر فيها اسم الله ..
ونعمان واقف خلفه مذهولا من هذا القدر العجيب وهو يقول للعطار بصوت مخنوق :.. تراه يشفى يا سيدي بإذن الله ...
ويسمع العطار صوت بكائه وهو يخنف ...إنه أخي الأكبر وهو بمثابة أبي وأمي وكل أهلي ممن بقي في هذه الدنيا !!!!
العطار (منهمك في معالجة درداس يلتفت إلى نعمان ):..
تؤمن بالله يا ولدي ؟!
نعمان ( وهو يبكي وما أصعب ان يبكي الرجال أمثاله ):
ونعم بالله يا عمي ؟؟!!
العطار ( تهزه كلمة عمي.. ،فيلتفت اليه ويربت على كتفه ويقول :توكل على الله هو بخير..
وانا مندهش أنه صامد حتى الآن بفضل الله ؛... جرح مسموم مثل هذا يا ولدي يقتل صاحبه فورا ويحتاج إلى راحة واستلقاء على البطن لمدة لا تقل عن شهر كي يندمل ويجف ويلتئم... ويبدوا أن أخاك لم يرحم نفسه قط.. وقد احتمل ويلات الألم القاسي لغاية لا يعلمها الا الله ؟!
نعمان ( وقد هدأواعجبه الكلام ): نعم ياسيدي انها غاية عظيمة جدا ...انها التوبة إلى الله !!!
العطار : ونعم بالله وحتى نمكنه منها بإذن الله... هلم ساعدني واحضر الماء من الخزان في الخارج واملأ به هذا القزان المعدني خلفك... فنحن بحاجة إلى الكثير من الماء لغسل الجرح وتنظيفه وتضميده بإذن الله ...
يهرع نعمان لجلب الماء وبينا هو يخرج يسمع أصوات رجال تحط بخيلها قريبا منهم ...
شهران: ماذا تفعل يا نعمان ؟ دعنانساعدك ؟ أين سيدي درداس ؟؟ زعنون : نعم يانعمان ،.. أين سيدي درداس ؟؟
نعمان ( يشير اليهما ان خفضا اصواتكما فالدنيا ظلام والناس نيام فيسكتان ويهمسان سويا :
اين سيدي درداس يا نعمان ؟!!
نعمان: انه راقد في الداخل مع العطار يعالج جرحه القديم ؟؟
يهرع الرجلان إلى داخل غرفة المشفي في اللحظة التي ينتهي فيها العطار من قص القميص ويكشف فيها عن الجرح... فتتولع قلوب الرجال من قبحه ومنظره ورائحته... فيشير إليهم العطار المذهول للجرح ولوجودهم في تلك اللحظة أن اخرجوا وهو ساخط عليهم...
وينادي نعمان ...
العطار : من هؤلاء ؟!
ليخرجوا في الممر يجلسون ولايدخل منهم أحد قط بإذن الله ..
نعمان (يرى الجرح فيشهق رعبا).. ويقول : يالله لطفك وينظر إليهم يقول : سمعتم ابقوا في مكانكم بإذن الله واهدؤوا ثم أين فيروز ؟! زعنون( ساخرا ) : ذهبنا إليه لاحضاره معنا فذهبنا إلى النزل نطرق الباب ،.. ففتحت الجارية. لنا ؛..
تقول انه ما زال في الحمام ( يضحك ساخرا )...
شهران : يا لحظه والله هو أذكى منا ؛.. شغللتني بثريدك المبهر يا أحمق عماهو أطيب ...
زعنون : دعك عني يا شهران فأنت تحب الطعام مثلي !!
شهران : لست مثلك يا ابو كرش قط .. نعمان: قلت لكم كفوا عن سخفكم هذا فسيدي درداس حالته مخطره وانتم تتمازحون عيب عليكم يا رجال !!! يسكت الجميع وتغشى المجلس سهوة حزينة لايقطعها الا صوت العطار ينادي نعمان... فيذهب اليه نعمان بسرعة ... العطار: أريد تنظيف الجرح وهو مغمي عليه كي يقل إحساسه بالألم بإذن الله ...
وهنا يسمع العطار صوت من خارج غرفة المشفي ينادي بنغمة انثوية رخيمة ناعمة :يا أبي !!! يا أبي !!! العطار ( يرد) : ادخلي ياسعاد يا ابنتي أنا هو هنا ومعي مريض مخطر..
ادخلي فأنا محتاج لمساعدتك الآن بإذن الله...
سعاد ( وكأنها لم تسمع جيداً كلامه).. من الخارج: أمي تقول انك تأخرت كثيراً عن العشاء.. فطلبت مني ان احضر للإطمئنان عليك !!!
العطار ( مناديابصوت أعلى ) :..
ادخلي يا سعاد !!!
وهنا تدخل سعاد ممر المشفى حيث شهران وزعنون وقد تخشب شهران وهو يسمع صوتها العذب وزعنون يضحك عليه ساخرا ؛..
تدخل بخطوات خفيفة وئيدة تلبس حذاءا من الخيزران وفستانا ازرقا وبنطالا اصفرا تغطي رأسها بشال ابيض.. منير. وعطر يفوح في الممر ،.. تفاجأ بوجود الرجال فتغطي وجهها بسرعة.. ولكن ليس قبل ان تتقاطع مع شهران نظرة سريعة ساحرة تحرك كل محركات الكينونة البشرية عندهما،.. فيتحرك زعنون بعيدا فالممر ضيق ولا يكفي الا لشخص واحد... ، هنا ينزوي شهران ليقف بشكل جانبي كي يسمح لها بالدخول ،... فتغض بصرها وهو يبحلق في عيناها الساحرتان الكحيلتان وعطرها يخزق مهجته... وهي تمر من جانبه الوجه بالوجه والصدر بالصدر والانفاس بالانفاس .. كانت لحظات بلمح البصر ولكنها كانت وكأنها دهرا كاملا من أنفاس الروح على شهران وسعاد المسكينة.. التي ما ان دخلت صاحت بأبيها :.. لم لم تقل لي انه يوجد رجال عندك حتى ألبس عبائتي يا ابي !؟؟
العطار( ينظر اليها ويشير إلى جرح درداس ): فتكاد يغمى عليها وتجلس ولا تنتبه لوجود نعمان في الغرفه... فقد كانت مصروعة فهذه أول مرة في حياتها تقترب من رجل غريب هذه القرب فهي في حالة غريبة لاتوصف.. ترنوا إلى الممر بين الفينة والفينة لعلها تلمح عيون شهران الذي ازعجته إلى درجة كبيرة سخرية زعنون الأحمق.. والأمر عنده كان جدا لا هزل فيه وصاحبه ذاك الأحمق ليس عنده هزل وجد.. فكل حياته لعب وهزل للأسف.. . العطار( يخاطب ابنته):.. يا سعاد اشعلي النار يا ابنتي تحت خزان الماء كي يدفي الماء ثم اسكبي فيه كوبا من السائل المطهر الأخضر تعرفينه...
سعاد تعود إلى وعيها وتدرك وجود نعمان كذلك وهي مذهولة من هذا الواقع العجيب والغريب الذي وجدت نفسها فيه فجأة... وقلبها يخفق بعنف ولا تعلم لذلك سببا سوى أنفاس ذلك الرجل الوسيم الذي تقاطعت عيناها مع عيناه في ذاك الممر .... العطار( مناديانعمان): هل يمكن ان تخرج الرجال من الممر إلى خارج المشفى فإنني الآن سوف ابدأ بتطهير الجرح... وربما يئن الرجل ويصرخ فلا بد من اغلاق الباب بإذن الله ...
سعاد تنظر إلى شهران الذي طار عقله بها وكأنه لم تعجبه فكرة الخروج من الغرفة...
وهنا يقول نعمان: سيدي العطار انا لا يحتمل قلبي رؤية اخي يتوجع فهل تأذن لشهران ان يحل مكاني.. فهو اجرأ مني على ذلك وله خبرة بالرعاية الآدمية أكثر مني ؟؟
العطار : لا بأس يا ولدي ... وهنا يطير قلب سعاد فرحا لم تقدر ان تخفيه فنظرت إلى شهران نظرة فيها ابتسامة خفية رائقة،...
فيخرج نعمان من الممر وهو يشد على يد شهران وكأنه يقول ؛...
قد فهمتك فتأدب...
يخرج نعمان وزعنون وبينماهو يخرجان اذا بفيروز يقبل ويهرع زعنون ليحكي له قصة شهران المتيم مع سعاد ،... فينهره نعمان ويقول له اسكت يا أحمق... ايهمك أمر شهران أكثر من أمر أخي درداس ؟!!!!
هنا ينزل فيروز عن فرسه وهو لا يفهم شيئا ويبلع زعنون لسانه بقهر ساكتا... ويقبل نعمان إلى فيروز يحكي له ما فاته من أمر.. ويطلب منه ان يتجاهل كلام زعنون والا يتدخل في امر شهران ولا ينافسه على المراة في الداخل... فيفهم فيروز الأمر ويفرح لأمر أخيه شهران ....
وهناك في الداخل فإن الماء أصبح دافيا كما قالت سعاد لأبيها.. وصارت تناول اقداح الماء للدافي إلى شهران ليصب الماء على الجرح بهدوء خشية ان يفيق درداس من غيبوبته ...
شهران يعيش حلما جميلا لا ينغصه الا جسد سيده الأسطورة مسجي أمامه.. تتنازعه أفكار وأفكار يقول في نفسه هو الآخر :..
هل ممكن أتوب أنا واتزوج إمرأة مثل سعاد الرائعة الغزلانية هذه.. وأعيش كبقية الناس بدل السلب والنهب والقتل والتشرد ...
هنايناديه العطار : المزيد من الماء يا رجل مالك قد تخشبت ،.. كف عن مغازلة ابنتي وركز هنا يا رجل فسيدك في خطر وانت تغازل !!!
شهران : عذراً يا سيدي ؛.. مااحسنك انت رجل رائع!!!ا
العطار : انا ما احسنني انا يا شهران ...انا رجل رائع....ركز هنا يا شهران مالك !!!!
تستحي سعاد ووتظهر على وجه العطار ابتسامة تفهمها سعاد فتفرح ويرتعب شهران خوفا فتطمئنه سعاد بنظرة وحركة برأسها يهدأ قلبه ... العطار : الحمد لله قد انهيت من تنظيف الجرح واتخلصت من القيح والصديد حتى خرح الدم... والرجل ما زال في غيبوبة وقد بدأيتململ ليصحوا الآن... نجفف الجرح ونبدأ بتضميده بإذن الله ...
العطار : نادي يا شهران على نعمان كي يدخل وانت ياسعاد جهزي الضماد وبلليله بالمادة المطهرة والمخدرة من القارورة الصفراء... كي نحكم الضماد حول جسده... وافقيا من تحت ابطيه وحول رقبته بإذن الله..
يدخل نعمان ويسلم فيزور على الجميع من الخارج ولا يدخل ...
العطار : يا نعمان ساربط حول صدر أخيك رباطا أشده بعصاة اديرها شدا لفا وهي مربوطة بالضماد المربوط حوله... حتى يلتئم الجرح وتتقارب أطرافه... وعندها وتظل أنت ممسكا العصاة المشدودة كي اضمد الجرح واشده كي لا يرتخي.. وعندها نفك عصابة العصاة ويكون ضماد الجرح مشدودا بإذن الله ...
هنا بدأ درداس يفيق ويهذي ويرفس بشدة فاقترب منه نعمان وحضنه برفق.. وبدأ يغني له وكأنه طفل صغير.. فهدأ درداس وبدأ يفتح عينيه بهدوء .. هنا قام العطار فورا وطلب من نعمان وشهران اجلاسه واحضر قارورة بدأ يسقي منها درداس الدواء... وبعدها بقليل نام درداس وبدأشخيره يعلوا يعلوا...
تبسم العطار وقال لابنته هيا يا ابنتي إلى الدار نعود إليه في الصباح بإذن الله ...
نعمان يأمر الرجال بالذهاب إلى النزل ليبقى هو مع أخيه... فيطلب شهران منه البقاء معه فيرفض.. ويقول له تعود في الصباح بإذن الله... تبدأ سعاد بتنظيف الغرفة بينما يغسل ابوها يداه ثم يخرجان وهو يقول الحمد لله رب العالمين ...
وصوت شخير درداس يعلوا ويعلوا.. ونعمان يحلس إلى جانبه...
فهل ينجوا درداس يا ترى ؟؟!!!
الجزء الثاني والعشرون (٢٢)
كانت ليلة صعبة على الجميع لم يقدر أحد أن ينام فيها غير درداس !!! فشخيره حرم أخوه نعمان من النوم مع قلقه الشديد على أخيه.. الذي هو وحده يكفي ليحرمه النوم !!!
والعطار لم ينم ليلته لأنه قلق على حال دوداس هل ينجو أم لا..
وكذلك شغله من بعيد أمر ابنته سعاد التي بدت متعلقة بشهران ذاك !!؟؟
وأما شهران وسعاد فحدث ولا حرج أحلام العاشقين المراهقين !؟؟
اما فيرزو فشغلته جاريته الشابة تغنجه حتى الصباح ؛... وأما زعنون فلم يقدر ان ينام من تخمة الثريد المبهر الذي سطح معدته سطحا !!؟؟؟
أشرق الصباح وكان أول من ينادي هو درداس يشتكي من الألم... فهرع إليه نعمان بقارورة الدواء المخدر المر شديد المرارة... وهو جائع فكاد ان يلفظه إلا أنه تجرعه بسبب صراخ نعمان عليه... واحضر له الماء ولم يمض وقت وإذا بشهران العاشق يقبل وحده وهو شبه نائم يسأل عن حال درداس !!!
نعمان : بالله عليك يا شهران بكرت في المجيئ من أجل درداس أم ماذا !! شهران ( يضحك ): نعم يا نعمان من أجل سيدنا درداس "وأم ماذا "...
كذلك وهم يضحكون !!!
درداس : انا اتلوى الما وأنتم تضحكون ؟!!
ما الذي يضحككم ؟؟؟
نعمان : هو أمر بيننا يا أخي لا تقلق معذرة إليك ؟؟!!
درداس : تضحكون على " أما ماذا؟! " أمر شهران وسعاد أليس كذلك ؟! شهران : وكنت منتبها يا سيدي ! درداس : نحن رجال لا يفوتنا شيئ مهما صعب الحال يا شهران... فقد تدربنا تدريبا خاصامع المعلم الصيني ؟؟!!!
لم يمض وقت طويل ويدخل العطار عليهم متبسما متهللا !!
العطار : كيف هو حالك يا ولدي يخاطب درداس ...
درداس : للتو شربت قارورة دوائك المر العلقم ذاك وخف الوجع قليلا والشكر لله ...
العطار :يجب أن ترتاح يا ولدي عندي بضعة أيام حتى يلتئم الجرح وتقدر تتحرك بشكل عادي بإذن الله ...
هنا يتهلل وجه شهران وترسم علامة استفهام كبيرة على وجه نعمان... ويتحرك درداس في سريره يواجه العطار ...
درداس : بضعة أيام يا سيدي !! العطار : نعم فوضعك سيئ للغاية ولا أدري كيف صمدت لهذه الدرجة ؟!! العطار : هذا حق لك علي يا ولدي فلن أطلب مالا قط بإذن الله ...
درداس : المال لا يشغلني يا عمي.. ولكن كيف هو حق عليك هل تعرفني من قبل ؟!..
العطار : قد عرفتك واخاك من أول مرة قدمت بشراء الأعشاب ؛..
أنت درداس السفاح.. وهذا أخوك نعمان وهؤلاء أفراد عصابتك الاشداء ؟!..
هنا ينتصب شهران إلى سيفه ويتكهرب الوضع تماما بشكل كلي ...
درداس : هل أنت الحكيم سادي حكيم أبي يا عم ؟..
العطار : عرفتني كما عرفتك يا درداس ؛... أنت نسخة من أبيك ما شاء الله ....
يهدأ الوضع ويقبل درداس يريد ان ينهض ليقبل يده.. فيقبل عليه العطار يحضنه ونعمان حائر لا يدري ماذا يفعل... وشهران قلبه يكاد من الفرح فقد اصبحنا أهل . العطار..
: لأبيك فضل كبير علي ولدي ومنه خيره علي كان هذا المشفى... وهذه الدكان ولكنه خاف علي من عمل العصابات أن يصلني... اذي وأهلي.. فطلب مني الإبتعاد عندما كبرتم وكبرت سعاد وأخواتها والحمد لله ... وما ان ذكر إسمها هي تدخل وتحمل صينية الإفطار فيهرع شهران ليحمل عنها الصينية بطريقة اضحكت الجميع... فقد كاد ان يسقط على الأرض لأنه سلط عليها نظره ونسي الطاولة التي امامه ...
درداس ينهض يساعده نعمان وشهران والعطار واضع سعاد الطعام أمامه على السرير.... ويبدأ الأكل... فهو جائع ويأكل معه الجميع..
وتعود سعاد التي دخلت تلبس عباءة لماعة سوداء تغطي وجهها بخمار تظهر من تحته عيناها الساحرة التي أحرقت سهامها قلب شهران المتيم ؛...
ثم تخرج من فورها وكأنها مأمورة هذه المرة ان تكون راكزة وثقيلة فزاد إعجابه بها المسكين العاشق الهمجي .. وهم يأكلون ويتسامرون ...
درداس : يوجد حولنا قريبا يا عمي عباد او نساك او علماء ازورهم يا عمي ...
الحكيم سادي (العطار ): ولم يا ولدي هل تريد ان تتوب إلى الله ؛... هذه كانت أمنية والدك الا تسير أنت واخاك على نهجه.. هو لطالما حدثني بذلك ،.. فقد تعب من تلك الحياة البشعة واراد لكم الخلاص.. إلا أنه توفي قبل ذلك رحمه الله ( يترحمون عليه جميعا)... درداس ( وللمرة الأولى ) :.. نعم اريد ان اتوب إلى الله يا عمي ساعدني ؛.. (يصرح بأنه يريد ان يتوب لأنه يخشى ان يموت قبل ذلك... فمازالت تلك الرؤيا التي رآها تشغل باله )...
الحكيم : نعم اساعدك ياولدي بشرط واحد !!..
درداس (وهو يلتفت إلى الخارج بعصبية ):وماهو شرطك يا عمي ؟! الحكيم : ان ترقد عندي هنا حتى يلتئم جرحك وتقدر على الركوب بإذن الله .. درداس ( وهو ينظر إلى الخارج فهو يرقد قبالة الباب ) :.. موافق يا عمي .. درداس ( يهمس في أذن نعمان بهدوء) فيخرج نعمان ويطلب من شهران ان يصحبه ويستغزب الحكيم..
فيقول : هل يزعجك شيئ يا درداس هيا كل الطعام يا ولدي... فأنت بحاجة إلى غذاء ...
يأكل درداس وعيناه خارج المشفى وكأنه ينتظر شيئا .... مرت لحظات غامضة على الحكيم لم يفهم ما يحدث... الا أنه بعد لحظات قليلة دخل نعمان وشهران ومعهم فارس ثالث ؛.. يدخل ويقف أمام درداس ...
الفارس : تريدني يا سيدي ؟..
درداس ( بادب وذوق ): رأيتك تمر في الصباح الباكر أمام المشفى بفرسك المرقطة وانت تتظر في كل جولة داخل المشفى... فاحببت ان أسألك عنها ...
الفارس : أتسألني عن الفرس يا سيدي ام عن النظرة داخل المشفى ؟.. درداس : عن الأمرين بإذن الله !! الفارس : انا من فرسان الشيخ بدران شيخ شيوخ قبائل القسوس... طلب مني مراقبتكم لأمر يريده هو فهو حريص على سلامتكم جميعا بإذن الله... ولدي فرسان يحضرون على فترات فاخبرهم ما عندي في مكان محدد ويرجعون له بالأخبار يا سيدي.. نحن في صف واحد فلا تجزع ... درداس : آمل ذلك بإذن الله .'.
أبلغ الشيخ بدران وأهله شكرنا وسلامنا وتحيتنا بإذن الله ...
يسلم الفارس ويخرج والجميع مذهولين كيف استطاع درداس وهو على حالته رصده والتحقق منه... الحكيم : أنت رجل عجيب يا درداس مثل والدك تماما يخفظك الله... ،اذا قبلت العرض تبقى عندي حتى تصبح قادرا على الركوب الآمن بإذن الله .. درداس : موافق .....
والآن اخبرني على شيوخ التوبة يا عمي ...
الحكيم ( واضح لهفتك ياولدي تقبل الله منك ): هناك في رجل ناسك يأتيه من كل مكان وهو معروف مشهور يقيم في كهف كبير أشبه . بالقصر المشيد... من داخله في قرية جبل الغربان ... هناك عابد آخر يقيم في صومعة في في قرية تكية العابدين وهو كذاك مشهور يأتيه الناس ولكل زبائنه يا ولدي ...
نعمان : وما هي نصيحتك يا عمي؟! الحكيم : أنصحك بعابد تكية العابدين لأني أشك أن الناسك ساحر خفظنا الله منه ومن شره ...
درداس : متأكد من أنه ساحر يا عمي ؟!..
الحكيم: لا يا ولدي مجرد احساس ... يكمل الجميع الطعام ويطلب درداس من أخيه نعمان ان يذهب إلى النزل.. ويبقي معه شهران وتحضر سعاد بصمت لأخد صينية الطعام وهي متبنجة... فقد كانت تتصنت على كل شيئ من وراء باب المشفي على بيتهم ...
يخرج نعمان ويظل شهران مبتهجا ويذهب العطار الي4 دكانه بعد ان يوصي شهران بالدواء وابنته بالخدمة ..
فماذا يحدث ؟..
هل يظل في المشفى ؟..
الجزء الثالث والعشرون (٢٣)
يظل شهران مع درداس في مشفى العطار سادي ... وتظل سعاد تطل عليه ببن فينة وأخرى بإذن أبيها... تتحدث إلى شهران حتى ذهب عنها روع أنهم عصابة وقطاعين طرق... واطمأنت نفسها إليه... وكان نعمان يصل كل صباح إلى المشفى مع زعنون وفيروز... الذي راقته للحياة في قرية الأغنام مع جاريته التي سلبت عقله وماله كذلك... فهو يصرف عليها لفرط حبه لها بشكل مفرط مما اضطر نعمان ان ينهره عن ذلك... ويحكم عقله بحرص بإذن الله .. كان العطار سادي ابو سعاد في الصباح والمساء يطل على درداس .. فقد كان عنده مشفى آخر في آخر القرية يزوره كل يوم حيث يطمئن على درداس وجرحه العجيب ...
مرت ثلاثة أيام على هذا الحال.. ودرداس في كل ليلة يحلم ذات الحلم الذي رآه.. وفسرته له سودة فكان يخاف منه ويحدث به أخوه نعمان ؛.. وفي نهاية اليوم الثالث كان شهران في بيت العطار.. فقد عزمته أم سعاد والجميع على العشاء.. فاعتذر درداس ومعه اعتذر نعمان وذهب شهران وزعنون وفيروز للعزومة مبتهجين جداً... وبالذات شهران وزعنون ابو كرش !!!
جلس درداس مع نعمان وحدهما في المشفى ...
درداس : إسمع يا نعمان قد مللت البقاء هنا يا أخي.. فاسرج فرسي وفرسك سنذهب في زيارة قصيرة مع شروق الشمس.. ولا تخبر غير فيروز من باب الاحتياط بإذن الله !!
نعمان : الطبيب قال تبقى أسبوع ولا تتحرك و لا تركب حتى يلتئم الجرح ،.. أليس كذلك يا أخي ؟!!
درداس : هو اليوم قال ان الجرح قد التئم ولم يبق له الا القليل بإذن الله .. نعمان : رأيت لم يبق له الا القليل هذا يعني أنه لم يلتئم بالكامل يا أخي !!! درداس : مشوارنا قصير إلى جبل الغربان.. وأنت تعرف انه قريب من هنا نعود الظهيرة بإذن الله ..
نعمان : أفعل اذا قبل الطبيب ذلك بإذن الله ...
درداس : الطبيب لن يقبل يا أخي.. وأريد منك ان تفعل ذلك من أجلي... فأنا أريد العاجلة و أن أتوب إلى الله يا أخي ؟!!!
نعمان : انا مستعد يا أخي ان أفعل أي شيئ من أجلك يا أخي... ولكن سلامتك هي أهم شيئ عندي الأن... وهي لا تسمح لك بالحركة وركوب الخيل !!
دوداس : اذا اركب البعير تنيخه لي فاركب ونسير ببطء شديد وانت على فرسك !!
نعمان : تركب البعير كالنساء يا درداس السفاح !!!!
درداس( يغضب ويشيح بوجهه جاتبا ) :.. نعم أركب كالنساء يا نعمان من أجل التوبة إلى الله !!!
يهب نعمان من مكانه على رأس أخيه يقبله بحرقة ويبكي ويقول بصوت مخنوق ):... حاشاك حاشاك يا أخي... أنت بطل وسيد الرجال غدا في الشروق نركب إلى جبل الغربان بإذن الله ...
درداس : دمت لي يا أخي وعفى الله عني وعنك وقبل توبتنا بإذنه ...
يتأخر الوقت ويعود الرجال من عزومة العطار سادي مبتهجين ويقبل شهران يهمس في أذن درداس بكلمات ونعمان ينصت ويتبسم ...
درداس : سيدي العطار الحكيم سادي ؟!
العطار : سم يا درداس ؟!
درداس : لي طلابة عندك فلا تردني بإذن الله خائبا !!
العطار : اي شيئ غير خروجك من عندي قبل شفتاءك مقبول يا ولدي !! درداس ونعمان ينظر بعضهم لبعض تظرات غامضة... يتلقفها العطار بذكاء وابنته معه تراقب ...
درداس : لا تقلق بشان ذلك يا سيدي ! العطار : وما طلابتك يا درداس ؟! درداس : اخطب منك ابنتك سعاد للفارس شهران بن سلطان الاجرم ... العطار : شهران من عشيرة الاجرم !!! شهران : نعم يا سيدي !..
سعاد : هذه عشيرة والدتي عاصمة الاجرم ،.. يتهلل وجه شهران وسعاد والعطار فرحا على فرح ...
العطار : طلبك عندي يا درداس بإذن الله فلا تقلق ... هنا تخرج سعاد بسرعة تركض فرحة من المشفى لتبشر امها بشارتين افرحت قلبها ...
يظل الرجال في المشفى يتسامرون.. ودرداس جالس صافن ينظر إليهم وقد تعب.. فأقبل عليه العطار بالدواء وقد زاد الجرعة عن المعتاد ونعمان ينظر اليه باستغراب ...
نعمان : زدت له الجرعة يا سيدي ؟! العطار : قرأت منه انه يريد الخروج قبل شفائه فزدت له الجرعة حتى ينام بإذن الله ولا يفعل ذلك ...
نعمان: ينظر إلى العطار مستغربا وهو غير راضي ولا يدري ماذا يقول ؟! نعمان : ومتى يفيق عادة من جرعة مثلها ؟!
العطار : غدا عصرا بإذن الله يا ولدي فلا تشجعه على ذلك ،..
يخرج العطار وهو يهمس في أذن شهران شيئا لم يعجب ذلك نعمان الذي أراد ان يسأل شهران.. الا ان شهران خرج مع العطار من فوره ولم ينتبه لنعمان ...
نام درداس وعلا شخيره من جديد ونعمان جالس إلى جانبه حيران لا يدري ماذا يفعل ؟!
ظل درداس نائما وبجانبه نام أخوه نعمان واشرقت الشمس والجميع نائمين . '..
استيقظ نعمان وفي رأسه ألف خطة وخطة وفكرة وفكرة... ينتظر أخاه ان يفيق من خدرته الطويلة ...
فماذا يخطط نعمان يا ترى بإذن الله ؟! !
الجزء الرابع والعشرون (٢٤)
بدأ درداس يتململ ويتثاءب ويتمطط بيديه ورجليه من سكرته العجيبة تلك... ونعمان جالس إلى جانبه يراقبه بحذر شديد وقلة حيلة ...
يدخل العطار إلى المشفي على غير عادة ..
العطار : كيف هو درداس يا نعمان ؟! نعمان : كما تراه مثل تركته يا سيدي... بدأ الآن يتململ من رقدته الغريبة هذه !!!
العطار : ايقظه كي يتناول غذائه كي أعطيه جرعة أخرى كي ينام ولا يفكر بالخروج قبل اكتمال شفاءه...
فأنا اعرف أباه من قبل فعل ذلك من أجل إمرأة !!!
فكيف بمن يفعل ذلك من أجل التوبة ؟؟؟
نعمان : درداس لا يفعل ذلك من أجل إمرأة قط... وإنما التوبة الخالصة يا سيدي لله وكفى ...
العطار : لا أشك في ذلك يا ولدي... وقلت ان أباه فعل ذلك... أقصد روح المخاطرة الهوجاء أحيانا تكون قاتلة... وجرحه مسمم يصعب أن يلتئم بسبب السم الزعاف الذي فيه ...
نعمان : ولكن سودة قالت أن الجرح غير مسمم !!!
العطار : كذبت عليه وهذا الذي ابقاه حيا حتى الآن يا ولدي.. فقد ذكر لي شهران ان الفاعل كان صهريج أخا جغبير... وهؤلاء مشهورون باستخدام السم في رماحهم وسهامهم... فإما انها لا تعرف او تعرف وكتمت من أجله هو كي يقوى على جرحه ...
درداس ( ينادي بصوت عالي ) : نعمان نعمان ... نعمان والعطار يقبلان عليه فيهدأ ويسكت ويسأل ما الوقت الآن ؟؟!
العطار : وقت تناول غذاءك ودواءك يا درداس فانهض الآن !!!
يساعده نعمان على النهوض فهو ما زال ثقيلا مخدرا من الدواء... وتدخل سعاد وشهران وهي تحمل صينية كببرة للغذاء وتضعها على الأرض.. فيبدأ الرجال بتناول الطعام الساخن الطيب .وبدخل زعنون مسرعا هل فاتني شيئ !!؟؟؟
الجميع : جئت في وقتك تماما يا رجل !!!
شهران : كأن كرشك حسّك يا زعنون !!! زعنون : لا تحسدني يا شهران الله يوفقك !!!
يأكل الجميع وبعد الأكل والراحة والانسجام وشرب الساخن من الشراب... يهم العطار بإعطاء الدواء لدرداس وهنا يسأل درداس :
ماهذا الدواءيا سيدي ؟؟
لا أريد أن أنام كالبعير يوم وليلة !! العطار ( مفصحا بوضوح ):.. جرحك خطير وصعب وأنت تريد الخروج قبل وقتك ولا أسمح بذلك قط !!!
هنا ينظر درداس إلى أخيه نعمان حانقا ونعمان في ورطة.. فهو لم يقل شيئا قط. ، أخوه لا يعرف ذلك فهو في موقف لا يحسد عليه ...
يقدم العطار الدواء لدرداس وهو مكره ولكنه لا حيلة له الا القبول... ونعمان واقف يتفرج وشهران فرح مبتهج اما زعنون فقام ينظف للمكان ...
نام درداس ليلته كلها من غير حراك وسهر معه فيروز وزعنون ... وذهب نعمان إلى النزل ليرتاح مع شهران بانتظار ما قد تسفر عنه الأحداث في الغد بإذن الله ....
يمر الوقت سريعا على درداس الذي نام نوم تخدير ليومه التالي ومضى عليه قرابة سته أيام في مشفي العطار... وهو لا يدري والعطار يقوم بتغيير الضماد على جرحه كل يوم ويشرف عليه.. وقد بدا على الجرح الالتئام مما أفرح نعمان.... الا أنه بقي يحمل هم ان يستيقظ أخوه ليعاتبه ظنا منه انه افشى سره للعطار...
وهذا عنده كبير جدا فهو يعرفه...
ينام درداس حتى ما بعد الظهيرة من اليوم التالي... ويبدأ يتململ وأخوه نعمان واقف على رأسه حارسا حريصا حزينا عليه... إن آلت حاله الي هي عليه بعد ان كان السفاح الذي تهتز من إسمه البوادي ..
يستيقظ درداس شيئا فشيئاً ولا ينادي على احد هذه المرة... فهو ساكت يتمطط حتى أفاق تماما.. وتماثل علي نفسه وجلس ولم يقبل مساعدة أحد من حوله ...
جاء زعنون له بالماء فغسل وجهه ويديه فقبل منه ذلك... واحضر له نعمان الطعام فرفض ان يأخذ من يده الطعام... وقبلها من زعنون وزعنون لا يفهم شيئا ...
نعمان : انا لم أقل للعطار شيئا قط والله على ما أقول شهيد..
وهل هو نناديه لك تسأله ان شئت .. درداس : لا لا تناديه فقط اسرج لي فرسي ان شئت والا سرجته بنفسي بإذن الله ...
درداس : اسمع يا زعنون سوف أخرج مع نعمان في جولة سريعة أشم فيها الهواء الطلق.. فلا تخبر احدا بذلك باذن الله.. ولا تسأل لماذا ولا تتفوه بكلمة واحدة !!!!
زعنون ( مرعوبا يتاتأه ): حسنا يا سيدي أمرك !!
هل يمكن ان ارافقك يا سيدي ؟؟!! درداس : ابق هنا خذ عنا فلا يقلقوا علينا بإذن الله ...
نعمان يحضر الفرسين وينهض درداس يلبس ملابسه وسيفه واغراضه ويخرج وهو يحس بهمة عالية.. وروح قوية تسري فيه ...
يركب درداس فرسه وحده فهو لم يقبل مساعدة نعمان قط وينطلق الرجلان ببطء حتى لا يكشف امرهما لأحد من أهل البيت ...
درداس يتحرك في المقدمة ومن خلفه نعمان صامتا لا يلفظ كلمة واحدة .... يبتعد الرجلان ثم يغيبا في الصحراء. لم يتكلما كلمة واحدة طول الطريق.. واصبح الوقت عصرا فلاح من بعيد جبل الغربان وبدأت الغربان تطير فوقهما ثم تتجه سريعا إلى الجبل... وكأنها تنقل الأخبار... ودرداس يراقب فيها ويعرف ماذا تفعل ؟!!
وصل الرجلان الي4 جبل الغربان فإذا به جبل أسود مخيف له قمة عالية بها فتحات تدخل وتخرج منها الغربان غربان غريبة كبيرة.. عيونها مشقوقة لامعة مخيفة وكأنها شياطين.. . نعمان : ألم يقل العطار انه ساحر وليس حكيم فلم يا أخي تجازف للدخول عليه.. وكل ما تراه الآن يصدق ما قاله العطار سادي انه ساحر مشعوذ وليس شيخ حكيم ؟!!
درداس :لا يرد عليه وإنما يوقف فرسه علي طريق في الزقاق الموصل إلى الجبل ويربطه هناك ويشير لأخيه انتظرني هنا ولا تقبل !!!!
نعمان : يفقد صوابه ...لا بل اذهب معك بصوت عالي !!!!
درداس يستل سيفه ويقول بصوت عالي : ابق هنا حتي4 أرجع اليك !!!! كانت تلك هي أول مرة يستل درداس سيفه في وجه أخيه طيلة حياته !!! فيحزن ويسكت وينزل عن فرسه وبربطه ويشير براسه4 موافقا.. يقول بصوت مخنوق : باذن4 الله يا ابن امي !!!!
يتحرك درداس يمشي في الزقاق وهو يضع يده على ظهره ويترنح من الوجع ولا يلتفت للوراء قط...
فماذا يا ترى يحدث في الجبل بإذن الله ؟؟؟
الجزء الخامس والعشرون (٢٥)
تحرك درداس ببطء شديد وحذر فهو أولا يتألم بقسوة من ظهره... وهو متحفز.. فهذا المكان لا يروق له فليس بمكان شيخ أو حكيم يتوب على يديه الناس... وكأنه بدأ يميل لكلام العطار سادي في إحساسه بأنه ساحر يتظاهر بأنه حكيم وشيخ للاحتيال على الناس ....
صار يدور مع الاروقة حتى وصل إلى باب كبير تقف على حافته الغربان الغربية السوداء شديدة السواد... وما ان وصل هناك طارت واختفت في فتحات خاصة غير مرئية له... مما زاد في حيرته وشكه...
عندما وصل الي4 مقدمة الباب فتح الباب من تلقاء نفسه ...
توقف درداس هنيهة ويدأ ينظر يمينا وشمالا وفوق وتحت... فلم ير شيئا يزعجه سوى حركة الغربان التي لا تخيفه ...
قرر الدخول بهدوء وحرص وسيفه مسلولا بيده متحفزا يتحرك وهو منحني إلى أسفل... متقدم الرأس يدور في كل الاتجاهات بحذر شديد وكأنه في ميدان حرب ...
دخل من الباب فإذا سدة عالية مرفوعة حولها نار مشتعلة... وبخور شديد لم يعجبه نفرت منه نفسه يخرج من النار.. واذا رجل جالس على السدة ينظر اليه مبحلق العينين.. يربط رأسه بعمامة خضراء تخرج منها حزمة من ريش أسود تحيط بها ...
اقترب منها درداس وطرح عليه السلام واقترب منه ...
الرجل : ضع سلاحك فأنت في معبد جبل الغربان.. وأنا الناسك زومار.. فما خطبك ؟!.
درداس : أنت الناسك زومار ؟! الناسك : نعم انا الناسك زومار الشهير !!!
درداس : سمعت الملك سنام الجبل يذكر اسمك يوما !؟..
الناسك زومار : بخير أم بشر !!!
وهل تعرف الملك سنام الجبل !!! درداس : لم تعجبه لكنة الناسك في الكلام وهو يذكر الملك سنام الجبل .!!! درداس : كأنك لا تحبه يا زومار ؟؟ الناسك زومار: لست هنا للإجابة على أسألتك ؛ '' أنت جئت هنا لهدف فما خطبك !؟؟؟
تدكر درداس أن الملك سنام الجبل كان يحذر الناس من صاحب هذا الإسم... ولا يذكر الأسباب قط.. وعندها طاوعته نفسه بالخروج والعودة الا انه قال في نفسه ؛... انا الآن هنا فلم لا أحاول.. لعله يكون حكيما والا اتركه واخرج سالما ...
درداس : جئتك أنشد التوبة الخالصة النصوح ؛ '' 'فهل لي من توبة بعد كل الذي فعلت يا سيدي ؟!
الناسك زومار:.. تريد الإعتراف اذا تفضل اقترب يا ولدي.. واجلس على ركبتيك أمامي وحدثني بكل شيئ فعلته حتى اجيبك ؛..
هل لك توبة أم لا ؟؟!!!
يسمع درداس كلمة يا ولدي فيرتاح قليلا ولا تعجبه فكرة اجلس على ركبتيك وحدثني بكل شيئ؟؟!! درداس : وهل يجب ان اجلس على ركبتي كي احدثك يا سيدي !؟
الناسك زومار : هذا نظامي وإلا ارجع من حيث جئت !!!
درداس ( في يقول في نفسه من أجل التوبة الخالصة افعل أي شيئ) :.. حسنا يا سيدي يقترب درداس من السدة ويجلس على ركبيته !!!
الناسك زومار يرمي مزيد من البخور في النار مما يزعج درداس حتي تتعبه الرائحة جدا.. الا انه يتحمل ...
الناسك زومار : هيا تحدث وبالتفصيل كي أقرر ...
يبدأ درداس يتحدث وهو مخنوق من مرارة كلامة حينا ومن البخور حينا آخر... وكأن البخور بدأ يؤثر علي عقله.. الا أنه تمالك على نفسه وبدأ يسرد قصته العجيبة وبدأ بقوله لقد قتلت ٩٩ نفسا... وسوف أحكي لك قصة كل واحد منهم بالتفصيل !!!!
هنا انتفض الناسك من سدته وقال : ماذا قلت ؟؟!!!
أعاد درداس كلامه يهدوء وهو يكاد يختنق من رائحة البخور المسحور !!!! درداس : لقد قتلت ٩٩ نفسا.. وأريد ان أتوب إلى الله يا سيدي وسوف احكي لك قصة كل واحد منهم... فهي كوابيس تقض مضجعي كل ليلة فلا أقدر ؛ ان أنام ...فهل لي من توبة ؟؟!! الناسك زومار ( يفز من سدته مذعورا وهو يصرخ ):... أمجنون أنت يا مجرم.... وكيف لمجرم قاتل ان يتوب ؛.. ان أمثالك يجب ان تقطع أيديهم أو ارجلهم ويصلبوا في جذوع النخل حتى تأكلهم الغربان...
وبدأ يرمي في النار أشياء تخرج منها روائح كادت منها روحه ان تفيض... ولا يكاد منها ان يرى بوضوح وضاق نفسه ورأى ان الناسك قد نزل من سدته واقترب... وهو يصرخ ليس لأمثالك توبة أخرج عني...
وبدأ يدفعه للخروج من معبده ...
هنا درداس دارت به الدنيا وكاد ان يختنق من رائحة السحر في البخور.. ويضعف ويتهاوي ويترنح واستشاط غضبا بشعا عندما سمع انه لا توبة له.. وضاقت عليه الأرض بما رحبت... فما ان وصلت يد الناسك اليه تدفعه للخروج حتى عاجله بضربة صاعقة بسيفه فقطع رأسه... وطارت كل الغربان من رأس الجبل ...
نظر درداس فوجد رأس الناسك تشخب دما فارتعب وهرع خارجا يتلفت مصروعا غاضبا حانقا... فقد جاء ليتوب لا ليقتل ...
يخرج درداس خائفا يترقب وفي منتصف الطريق يلقى أخاه نعمان يمسك به تعال يا أخي... هل قتلت الرجل... فقد رأيت الغربان تنعق وتنوح من فوق الجبل ؛..
تعال يا أخي نهرب قبل أن يصل الخبر إلى بقية السحرة بإذن الله ...
يخرج درداس ونعمان بسرعة بالغة من زقاق جبل الغربان ودرداس في حالة لا يحسد عليها... فيعينه نعمان لركوب فرسه ويمكسه وينطلق الفارسان بعيدا من غير هدي ...
يتحرك الرجلان ويحس نعمان كأن هناك من يتعقبهما... ودرداس ذاهل لا يقدم ولا يؤخر فينصب له فخا كي يعرف من يكون ؟؟!
فمن ترى تراه يكون ؟؟!!!
الجزء السادس والعشرون (٢٦)
يترك نعمان فرس أخيه درداس يتقدم ويختبئ دخلف تلة صغيرة... وما أن يقترب الفارس الغامض.... حتى يباغته نعمان ويفاجئه درداس من الجهة المقابلة فيصرخ الرجل فورا :..
على رسلكما انا فارس ومرسال الشيخ بدران على رسلكما ...
هدأ نعمان ودرداس وخفضوا السيوف المسلولة ...
نعمان : كدت أن تفقد رأسك يا رجل.. فلا تعد لفعلتك تلك مرة أخرى بإذن الله ...
الفارس :ليس بعد هذه المرة يا سيدي بإذن الله ...
نعمان : أنت الآن بالأمان.. فافعل ما بدا لك.. ولا تلحقنا بعد الآن بإذن الله ... الفارس : لن أفعل وسوف أبلغ ذلك سيدي الشيخ بدران ...
يصفر الفارس صفرة خاصة فيسمع صوت فرس يقترب من بين التلال ؛.. فإذا به فارس آخر يرتدي مثل ثيابه يقترب منه ثم يحدثه وينطلق الآخر من فوره ...
درداس وهو منهار ينزل عن فرسه ليرتاح وينادي على نعمان ليحضر عنده ... يقترب نعمان من درداس وهو يرى أن جرحه عاد لينزف من جديد فصعق ...
درداس : هل لك ان تشد الرباط على الجرح أكثر كي يتوقف النزف يا أخي... وهنا يقترب منهما فارس الشيخ بدران :.. هل تريدان مني أي مساعدة يا سيدي... فأنا دليل هذه الصحراء بإذن الله ...
درداس : هل تعرف قرية تسمى " تكية العابدين " ؟!
الفارس : من لا يعرف تكية العابدين يا سيدي.. والحكيم واصف ...
نعمان : يجب ان نعود إلى المشفى يا أخي.. كي يضمد جرحك فقد جاوزت الشمس.. ولم نأكل او تشرب شيئاً.. مالك يا أخي بارك الله فيك !!!
درداس ( لا يلتفت الي4 كلام نعمان ) : هل تدلني على الحكيم واصف هذا... ولك أجرك بإذن الله ...
الفارس : بكل سرور سيدي.. هي ليست بعيدة نكون هناك قبل الغروب بوقت كافي للتزود بالغذاء بإذن الله ...
نعمان يستشيط غضبا وهو يسمع الفارس ولا يعحبه الأمر ...
نعمان : يجب ان نعود الي5 المشفى بإذن الله يا اخي ...
درداس ينهض من مكانه وقد دبت فيه روح جديدة ويقفز على فرسه بخفة أذهلت نعمان وهو يقول :..
هيا اذا دلني الآن يا رجل !!؟؟؟ الفارس : توكلنا على الله وينطلق.. وينطلق خلفه درداس ولا يجد مناصا غير اللحاق بهما وهو غاضب حانق ... يتقدم الفارس الركب ومن وراءه درداس.. ثم يلحق نعمان في المؤخرة ..
يسير الركب دون توقف.. كلما حاول الفارس التوقف للراحة تقدم درداس مسرعا في نفس الاتجاه مما يضطرهما إلى اللحاق به مكرهين ...
نعمان لا يعحبه الوضع البته فيتقدم للحاق بدرداس فلا يقدر.. فكلما اقترب منه زاد في سرعته للأمام فلا يصله حتى لاحت من بعيد مضارب متناثرة صغيرة ...
الفارس يصيح بصوت عالي : تكية العابدين على اليمين يكرر الصياح ...تكية العابدين على اليمين.. حتي يسمعه نعمان ودرداس فيخخفان السرعة حتى يتوقفان ...
الفارس : تلك هي تكية العابدين يا سيدي.. وفي آخرها علي5 اليمين خباء الحكيم واصف بإذن الله ؛..
يمكنكم زيارته بعد ان تناول الطعام في تزل القرية ان شئتم بإذن الله ... نعمان : هذا رأي صائب !!!
درداس : اقترح عليكما ان تذهبا لتناول الطعام.. اما انا فسوف أذهب لمقابلة الشيخ الحكيم واصف.. ثم الحق بكم في النزل للطعام بإذن الله !!!
نعمان(لا تعجبه الفكرة ): نذهب إلى الطعام أولا.. ثم أذهب معك إلى الشيخ يا أخي بإذن الله... وكيف تستدل على النزل الذي نحن فيه ؟!
الفارس : هو نزل واحد لا غير.. ان سأل عنه يصله بسرعة فهي قرية صفيرة جدا يا سيدي !!!
درداس ( يقترب من نعمان ويهمس في أذنه ) :.. خذ الفارس وأكرمه وأكرم تفسك الطعام.. وادفع له أجره ثم الحق بي بإذن الله ،... فلن أقدر ان آكل شيئا قبل التوبة يا اخي ...
افعل ذلك من أجلي.. والحق بي بسرعة بإذن الله ...
نعمان يهدأ ويطمئن.. ويشير للفارس هيا تقدم.. فيترحركان تجاه الجانب الأيسر من الطريق تجاه النزل.. بينما يتحرك درداس في تجاه الجانب الأيمن من الطريق ...
وقبل ان يبتعد درداس يتوقف وينادي على نعمان من بعيد ويقبل تجاهه ... يلتقي الرجلان والفارس ينتظر من بعيد ينظر اليهما ...
درداس : يقترب من فرس أخيه نعمان ويحضنه ويقول له بصوت حنون غريب : شكرا لك يا أخي على كل شيئ ...
ينطلق درداس بسرعة فائقة ويظل نعمان جامد في مكانه لا يدري ماذا يفعل ...
هل يلحق بأخيه أم يتركه ويذهب ليلحق به من جديد.. تنازعته مشاعر مختلطة لم يفهمها الا انه لما رأى أخاه ينطلق بهده السرعة.. أيقن انه قوي وأنه يعرف تماما ماذا يفعل ؛..
أدار خطام فرسه وانطلق إلى الفارس الواقف منتظرا من بعيد ... يسرع درداس في طريقه للشيخ الحكيم واصف وهو يترنح من الوجع الأليم الذي اخفاه عن أخيه نعمان حتى لاح من بعبد خباء طويل من حوله سور خشبي واطي متواضع تتحرك فيه دواجن وطيور ومعزتان وبعض الخراف ...
يقبل درداس على الخباء وهو يكاد يسقط عن فرسه.. إلا أنه يتحامل على نفسه ويصبر... ويقترب من الخباء بهدوء وحذر.. كي لا يخيف الدواجن والحلال وأهل الخباء ...
يقترب درداس أكثر ويقف في مرمى الخباء.. تتحرك الدواجن والحلال فيخرج من الخباء رجل طويل نحيل طويل اللحية.. يلبس عباءة بيضاء قديمة نظيفة ينظر اليه من بعيد مشيرا إليه بيده.. ان تقدم تفضل أهلا بك.. وهو يتحرك في اتجاهه بكل وقار وثقة ...
ينزل درداس عن فرسه بصعوبة ويسقط على الأرض ثم يتحامل على نفسه ويقف من جديد.. فقد بدأت تدب فيه روح حديدة لا يعرف سرها يتنهدها بروح صدره قبل ان يصل الى الشيخ الحكيم واصف !!!
ماذا يحدث لدرداس مع الشيخ واصف ؟؟؟!!!
الجزء السابع والعشرون (٢٧)
يقبل الشيخ الحكيم واصف بخفة عجيبة على كبر سنه إلى درداس المترنح فيسنده ويعينه بصعوبة حتى يجلس على ركبتيه... ثم يتحامل على نفسه خجلا فيقف على رجليه بشق الأنفس.. ويمشي خطوات إلى الأمام مع الشيخ واصف إلى داخل الخباء... حيث مجلس الشيخ واصف دكة صغيرة من وسادة كبيرة مغطاة بوشاح أخضر مطرز جميل ورائحة عطور ليموني مريح تتخلل خياشيم أنفه.... تبث فيه روح وراحة جديدة تدفعه أن يرفع رأسه ويتأمل من حوله.. فينظر درداس فيرى الشيخ واصف جالس مبتسم ينظر اليه من بعيد يرى أهل بيته يتحركون وكأنهم يعدون ضيافة خارج الخباء ...
تدخل فتاة شابة مغطاة كاملها بعباءة بيضاء نظيفة ومعها قصعة من ماء تسلمها للشيخ الحكيم واصف... فيشكرها مبتبسما في وجهها ثم تخرج بخفة وتواضع ..... يقدم الشيخ الحكيم واصف القصعة إلى درداس المنهار... فيأخذها ويشكر الشيخ واصف ويسمي الله ثم يشربها كلها بسرعة ...
الشيخ الحكيم واصف : لعلك تريد المزيد من الماء يا ولدي ؟!
درداس ( بخجل شديد ) يهز رأسه موافقا من غير أي ينبس ببنت شفة .. يقوم الشيخ الحكيم واصف بنفسه ليحضر الماء لضيفه.. فيخجل درداس مستغربا من تواضعه وأدبه ووقاره ويظل صامتا يتفرج ...
يرجع الشيخ الحكيم واصف ومعه صينية عليها قصعة الماء وبعض الطعام الخفيف ...
الشيخ الحكيم واصف : تفضل يا ولدي اشرب وكل ماتيسر لك بإذن الله.. فيبدو عليك إجهاد السفر والمرض والله الشافي ...
لا يتورع درداس ان يتناول القصعة من جديد ويشربها كلها وبدأ يتناول الطعام وكأنه لم يأكل من قبل وهو ينظر للشيخ مستحيا... ولم يكن الطعام الا البسيط من الجنن والعسل والبيض وبعض الخضار المنزلية..
الا انه أكل منها وكأنها وجبته الأخيرة وهو مبتهج فرحان مرتاح... وتذكر لقاءه مع زومار الساحر فاقشعر بدنه وتوقف عن الطعام ...
الشيخ الحكيم واصف : مالك يا ولدي أكمل طعامك بإذن الله ؟!!
درداس : شبعت ولله الحمد فما جئتك يا سيدي للطعام او الشراب !؟
الشيخ الحكيم واصف : انما هي حق الضيافة البسيطة ياولدي وسامحنا فلو قدر الله وجئتنا في غير هذا الوقت.. لأحسنا ضيافتك وحق الله فنحن فقراء والله هو الغني..
درداس ( وهو ينظر في وجه الشيخ واصف ): اصدقك القول يا شيخي أنني لم أكل في حياتي أطيب ولا الذ ولا أجود مما أكلت عندك بارك الله فيك... الا أن أمرا كبيراً يشغلني يا سيدي ؟!
الشيخ الحكيم واصف : هات ما عندك يا ولدي بإذن الله ؟!
تدخل المرأة الشابة تتناول صينية الطعام وتحضر شراباساخنا تضعه أمامهم بهدوء وصمت ووقار... ثم تخرج بخفة ...
درداس ( لا يلتفت إليها قط فقد كان يتوجع أولاً... ثم يشغله مصيره ثانياً... ويريد ان يحكي قصته قبل عودة أخيه نعمان ؛...
وينظر إلى الشيخ واصف في عيناه هذه المرة مما يجعل الشيخ الحكيم واصف أكثر انتباها ):..
أريد أن أتوب إلى الله يا سيدي الشيخ ؟!..
ويكرر مقولته ثلاث مرات والشيخ ينظر إليه وبدأ الشيخ يتبسم إلى كاد ان يضحك ؟!..
درداس ( لم تعجبه اللحظة فانقبض ) : وما الذي يدعو للتبسم يا سيدي ؟! الشيخ الحكيم واصف : وما الذي يحول بينك وبين التوبة يا والدي هذا الذي جعلني استغرب منك.. تقطع كل هذه المسافات لطلب التوبة !؟؟ درداس : يمكن يا سيدي أنت لا تعرف وضعي وقصتي من أجل ذلك تسرعت بالإجابة علي بإذن الله ؛..
يجب ان تعرف قصتي كلها ؟!..
الشيخ الحكيم واصف : وما علاقة قصتك بتوبتك !!!
هذه أمر وقصتك أمر آخر بإذن الله !؟؟ درداس : سيدي الشيخ الحكيم :
انت لا تعرف ...أكيد أنت لا تفهم وضعي بإذن الله ؟!!!
الشيخ الحكيم واصف ( يعتدل في جلسته ): اسمع يا ولدي لو بلغت ذنوبك عنان السماء.. وعدد أمواج البحر وعدد ورمال الفيافي... ثم تبت إلى الله توبة نصوحا يقبل الله توبتك ولا يبالي... لأنه الله التواب الرحيم بإذنه.. ؛فما الذي يحول بينك وبين التوبة بإذن الله ؟!!
درداس ( يفتح عيناه كلها وهو مبتهج جدا وينظر إلى الشيخ):.. متأكد أنت مما تقول ؟!!!
الشيخ الحكيم واصف : نعم يا ولدي بعزة الله وماالذي يحول بينك وبين التوبة ؟؟!!!
درداس (يخرجها من صدره وهومرعوب ينتظر الاجابة ): حتى وان قتلت ١٠٠ نفس يا سيدي؟؟!!!!!
الشيخ الحكيم واصف (بكل ثقة ): حتي لو قتلت ألف نفس بإذن الله.. فما الذي يحول بينك وبين التوبة وهي بينك وببن الله لا تحتاج معها إلى وسيط مثلي قط ...
درداس : كيف ؟!.. قالوالي يجب ان تذهب إلى الشيخ كي يطهرك ؟!!
الشيخ الحكيم واصف : كذبوا عليك كي يسرقوا مالك فقط.. وهم مشعوذون مجرمون فلا يحول بينك وبين التوبة الا أن تنوي بقلبك وعقلك وروحك.. تتجه إلى الله تطلب منه التوبة الخالصة وتقلع عن ذنبك كله وتندم على ما فعلت.. ولا تعود قط لذنوبك بإذن الله... وان كانت هناك عليك حقوق للناس تؤديها لهم ؟!!
كان الشيخ الحكيم واصف يتكلم ودرداس ذاهل قد هدأ قلبه واستقرت روحه في قالبها.. ودخل لتوه في مناجاة عميقة طوية حزينة دامية مع الله القدير وبدأ يبكي ويحكي ويحكي ويحكي للشيخ الحكيم قصته والشيخ يسمع بكل اهتمام لكل كلمة يقولها وهو يروي له كيف قتل ١٠٠ نفس حتى ذكر له إسم الساحر زومار ؟!!
الشيخ الحكيم واصف : الحمد لله ان الله قد أراح الأرض من جرم وكفر وظلم الساحر زومار ...
لم يسمع درداس كلمته فقد كان مازال ذاهلا لا يصدق أن الآن انه يتوب إلى الله وبهذه السهولة... فهو فرح جدا حتى كأن صوت بكائه يضج له الخباء.. هدأ درداس وسكت فنظر اليه الشيخ الحكيم واصف : الآن أنت قد تبت الله يا ولدي والحمد لله ...
درداس ( يهب منتفضا يقبل يديه ورجليه وراسه ويديه ):..
كيف اكافئك يا سيدي قل لي بالله عليك ؟!
الشيخ الحكيم واصف : انما التوبة لله ليس لها او عليها ثمن.. ولي طلب واحد منك بإذن الله ...
درداس : أطلب يا سيدي والله الحق. . الشيخ الحكيم واصف : بعد ان سمعت قصتك.. ؛أدركت انه يمكن ان يكون لك أعداء كيثرون يريدون الإنتقام منك.. ولذلك انا أنصحك ان تعتزل الناس تماما فترة من الزمن تتعبد إلى الله معنا في معبد تكية العابدين لله رب العالمين.. تتعلم العلم وتعبد الله وتتوب اليه ،...
فما رأيك ؟! درداس : أفعل بإذن الله.. وأين المعبد يا سيدي ؟!
الشيخ الحكيم واصف : في حارة قريبة من وسط القرية بإذن الله.. هناك تجد قوما بعبدون الله فاعبد الله معهم بإذنه يقبلك ويرحمك...
درداس : أخرج من توي يا سيدي فإذا جاء أخي دله علي بإذن الله ...
الشيخ الحكيم واصف :باذن4 الله يا ولدي والله يحفظك ويتقبل توبتك بإذنه ...
يخرج درداس وكأن به قوة الشباب وهو يتمزع من الألم.. وهو لا يكاد يحس به يهرع إلى فرسه ويركبه بخفه وهو يعانق الشيخ الحكيم واصف ولا يتوقف عن تقبيل يديه كلما سنحت فرصة... والشيخ يتهرب من ذلك بحنكة ومهارة ...
يدل الشيخ الحكيم واصف درداس على الطريق ويعطيه العلامه... وينطلق درداس مسرعا لا يبالي بألمه ووجعه فهل يصل إلى معبد تكية العابدين ؟!!
الجزء الثامن والعشرون (٢٨)
يطير فرس درداس في الصحراء بين القريتين و الحارتين ؛.. حارة خباء الشيخ الحكيم واصف.. وحارة معبد تكية العابدين.. وبينها صحراء قرابة ميل واحد تقريبا ؛..
درداس فرح مبتهج يكاد يطير من فوق فرسه ليسبقه إلى المعبد.. وهو لا يكاد يحس بنزيفه الدامي في ظهره.. وبدأت قواه تخور شيئاً فشيئاً ويحس بأنه سوف يسقط عن فرسه ؛... فشد لجام فرسه كي تبطئ من سرعتها حتى يقدر يتحكم بها وهي تطير في الصحراء مسرعة لا تبالي.. فيداه عجزت عن شد اللجام بالقوة التي تعودت عليها... فظلت مسرعة تعدو عدوا سريعا وهو يحاول جاهدا ان يشد اللجام ولا فائده فبدأ في نفسه يقول :.. ليس الآن يا "عفراء " اهدئي !!!اهدئي !!!
وكأن فرسه عفراء سمعته فخفت سرعتها.. حتى تمكن من قيادها وهو يترنح يمينا وشمالا ...
درداس على فرسه والشمس قبل الغروب ينظر بعيدا فإذا حارة المعبد ما زالت بعيدة.. وهو يكاد يكون في منتصف الطريق قد جهد جهدا مضنيا وهو يكاد يسقط عن فرسه عفراء.. درداس يغيب عن وعيه هنيهات بسبب شدة نزفه.. فيبدأ يسمع أصواتا غريبة مزعجة وكأنها رعود في السماء تهزه هزا فيصاب برعب رهيب مخيف... ثم يفيق فتختفي هذه الأصوات مرة أخرى ...
درداس بدا خائفا ليس كعادته فالأمر جد لا هزل فيه ؛... فجأة يغيب هنيهات فيصاب بالرعب لأنه يرى وجوها مرعبة مخيفة لرجال سود كثر احجامهم ضخمة قوية... أكبر وأقوى منه اضعافا كثيرة... فيصاب بالرعب من شكلهم واصواتهم المرعبة وكأنها الرعد الراعد... وعيونهم تحترق ناراً كأنه البرق البارق... رعب لم يعرفه وخوف لم يحسه طول حياته... وهو درداس السفاح المرهوب ..
يغيب هنيهات على فرسه عفراء فيميل يمينا وشمالا وهي تجري فتبطئ سرعتها... فيرى ومضات مضيئة كأنها شريط حياته وهو صغير وأحداث عاشها.. فهذا أبوه وأمه وذاك الشيخ سنام الجبل ومدربه الصيني يدربه.. واخوه نعمان ثم يفيق فيتوقف الشريط المضيئ عن العرض... فوجد نفسه مدلي على جنب فرسه عفراء وهي تمشي ولا تجري.. فيعتدل عليها ويبدأ ينهرها كي تجري نحو حارة معبد تكية العابدين التي يراها من بعيد... وهي لا تجري فقد خارت كل قواه وهو عاجز حتى عن شد لجام عفراء وهو يقول في نفسه :...
عفراء لا تخذليني ....عفراء لا تخذليني...يبكي وهو يكرر عفراء لا تخذليني... بضعة خطوات وأصل بإذن الله.. ويشتد عليه النزيف والوجع فقد نزف نزفا شديدا حتى لم يعد دم كافٍ ليشد لجام عفراء...
يغيب هنيهات فيترنح عن فرسه فتتوقف لأنه صار بين رجليها الخلفيتين.. فتتوقف تماما وهو يرى درداس رجالا سود كثر يحيطون به وصوتهم مرعب وشكلهم مرعب يحيطون به من كل الإتجاهات... وله كبير في مقدمتهم طويل قدمه في الأرض ورأسه في السماء.. كلما تفحص درداس في وجهه أحس ان روحه تسحب منه من شدة قبحه وريحه وشكله المخيف المرعب... وبيده آلة مخيفة وكأنها وحش بحري له أذرع كثيرة مخيفة مسننة مدبرة. '. لها مجسات لاقطة كثيرة مختلفة الأحجام... وكأنها أبر ومخازيز صغيره ولها قناع أسود يتحرك يقترب من رأسه.... والمخازيز تحيط بجسده حتى اخمص قدميه.. وقد بدأ يحس بها ويصرخ ...لا لالا أريد ان أتوب... أريد ان أصل إلى حارة معبد تكية العابدين ...أرجوكم ...أتوسل إليكم ... وهو يراهم يحكمون الإحاطة به من قبل كل الإتجاهات... ومنظرهم وحده كفيل بإزهاق روحه المرعوبة المتشبثة بجسده بعنف وقوة ...
بدأت المخازيز تخرق اخمص قدميه وبدأ يصرخ يصرخ ويقول :... ليس هذا أملي فيك يا الله.. فقد جئت إليك تائبا ...ليس هذا أملي فيك يالله يالله يالله... ويبكي بصوت تهتز له الأرض والسماء ...
درداس : أيها الرجال السود الله اقوى منكم ...الله أعظم منكم ...الله أرحم منكم ...أمركم بإذن الله وجبروته توقفوا قد جئت ربي تائبا مخلصا منيبا ...
كبير الرجال السود : قد قتلت ١٠٠ نفس أليس كذلك ؟!
درداس : نعم اعترفت بذلك ولكني تبت الي5 الله بإذنه... وهو يتولاني برحمته هو وحده يتولى أمري... لا أنتم توقفوا وانا بإذن الله أرفع أمري إلى ربي وخالقي ومولاي الله رب العالمين... الرحمن الرحيم والتواب العليم ...
هنا خرجت المخازيز من جسد درداس وتنفس الصعداء وافاق من غيبوبته... فوجد نفسه على الأرض معلقا من رجله بلجام فرسه عفراء ونظر حوله فوجد نفسه ينزف نزفا غزيرا... ويتوجع وجعا اليما ...
ونظر بعيدا فوجد نفسه في منتصف المسافة بين القريتين والحارتين فشد على نفسه يريد ان ينهض.... ويقوم لكنه قواه خانته... ولم يقوَ على الحراك... فأراد أن يقسو على نفسه فنهض... وما ان رفع رأسه.... اذا به يقع في غيبوبة ثانية...
فقد نزف نزفا شديداً... ولم يعد هناك دم في رأسه يكفيه للوقوف ...
هناك رأى درداس الرجال السود يقفون حوله وكبيرهم يأمرهم من جديد ان يدفعوا المخازيز في جسده.. إلا أنهم يشيرون له من بعيد ...
فإذا بدرداس يرى نور غريب مريح يظهر من فلق يمين السماء وجوه مضيئة من نور ... يالله؛...
إنها أمي... وهذا أبي.. وهذا الملك سنام الجبل وآخرون.. كلهم مبتسمون فرحون يشيرون إليه بأيديهم.. تعال يا درداس تعال يالله ؛ ....يالله يالله ...طار قلبه فرحا يالله يالله يالله.... انها سودة تطل عليه بوجهها النوراني المتبسم من بعيد تشير تعال تعال ....؛
ولم يعكر صفو هذه النشوة إلا وجوه سود مكفهرة عابسة حاقدة من شمال وجوه كثيرة تزيد عن ١٠٠ وجه... كلهم بحملون رؤوسهم بأيديهم ويصرخون القصاص القصاص... ينادونه بأبشع اسماءه التي يعرفون أنه يكرهها ... ارتعب قلب درداس وأصدر كبير الرجال السود أمره : القصاص... القصاص ...
فعادت المخازيز تخترق جسدة المنهوك المتهالك من جديد... وهو يصرخ صراخ لا تحتمله الجبال من قسوته وشدته .... درداس ( ينسى كل الوجوه التي حوله ويصرخ بصوت روحه جائرا إلى الله ): يالله يالله يالله.... ليس هذا أملي فيك يالله يالله يالله يالله ...
خرجت المخازيز من جسده وروحه تتحشرج في جسده.. وقد بردت قدماه ولا يستطيع تحريكها... هنا حدث ما لم يكن في الحسبان فماذا حدث يا تري؟؟!!
الجزء التاسع والعشرون (٢٩)
صرخ كبير الرجال السود ان اسحبوا روحه فقد قتل ١٠٠ نفس... وسجله مليئ بالكبائر... فلا أمل له عندنا أبدا بإذن الله ...
فدخلت المخازيز بعنف في جسده المنهوك وبدأ يصرخ ولا يكاد يسمعه أحد... ويتألم كما يتألم ألف رجل وحده في الصحراء والشمس تميل إلى الغروب ...يصرخ وروحه تسحب بعنف وكأنها أشواك تسحب من الصوف المبلول تتقطع ...
تتمزق في أنحاء صدره...تتحشرج في عنق صدره.. ولا تريد الخروج..
وكبير الرجال السود يمد يده ليستلمها من صدره بعنف وقسوة وصراخ شديد يهز الأرض والسماء...
ودرداس يصرخ بين يديه بما بقي عنده من بقايا قوة من غير صوت مسموع ..يالله يالله يالله ...فيتوقف الرجل الكبير الأسود المخيف فجأة ...
فقد انشقت االسماء التي كادت أن تظلم فوق رؤوسهم عن نور عظيم يغطي المشارق والمغارب ... ونزل هناك من فوق رجال كثيرون بيض كلهم نور على نور... يحيطون بهم وكبيرهم ينزل بين الرجل الأسود الكبير...
وصدر درداس المكلوم ومعه آلة من نور جميلة وكانها4 ورود ابرية جذابة ترد الروح بمنظرها الساحر... وعبق ريحها الخلاب... تحيط بدرداس المسجي ولم يبق من روحه في جسده الا القليل ... تنسحب الآلة السوداء المخيفة عندما تقترب الآلة النورانية الراقية..
وتظلان تحيطان بجسده من فوقه من غير ان تلمسه بإذن الله ؛..
تعود روح درداس في جسده من جديد منهكة مقتولة فيفيق من غيبوبته ويرى وهو بين الغيبوبة والصحوة رجال بيض وجوههم منيرة مريحة... ورائحتهم طيبة زكية.. وثيابهم فاخرة ليست من الأرض.. وحدها تخلب العقول... وصوتهم رنين عذب طرب ذو نغم محيي ينظرون إليه وينظر اليهم ...ويسمع منهم هذا الحوار وكلما التفت إلى الرجال السود غصت نفسه وتوتر وارتعب وانقبض.. ويكاد ان يعود إلى غيبوبته فيعرض عنهم الي4 الجهة الأخرى فيرتاح... وتهدأ روحه في جسده المنهوك ...
كببر الرجال السود : هل نقبض روحه يا سيدي فقط طالت حشرجته بإذن الله ؟..
كبير الرجال البيض : من اجل4 ذلك بعثتا يا سيدي من أجل قبض روحه ..!!!
كببر الرجال السود : ولكنكم ملائكته الرحمة... وهذا المجرم لا يستحق الرحمة قط... وقد جئناه بإذن الله وأمر الكتاب العظيم ...
كبير ملائكة الرحمة : وأنتم يا ملائكة العذاب تقومون بواجبكم وقد بعثنا لقبض روحه من قبل الله العظيم الأعظم بذاته المقدسة العليا !!!
كبير ملائكة العذاب : اذا نحتكم إلى الله العلي الكبير !!!
درداس يسمع الحوار وهو مرعوب ببن الغفلة واليقظة بإذن الله... ينظر دوما إلى يمينه ولا يجرأ ان يلتفت يساره قط...وعندما سمع كلمة نحتكم إلى الله العلي الكبير غشيت روحه راحة غريبة لا يعرف سرها ...
وهنا ترعد الأرض والسماء وتبرق وتغشي الأرض سحابة من نور عظيم يغطي الأكوان والعوالم كلها ...
انه ملك عظيم ينزل من فوق سبع سموات إلى الأرض ليحكم باذن4 الله بين ملائكة الرحمة وملائكة العذاب ...يصل إليهم ورأسه في عليين وقدميه في الأرض السابعة السفلى بإذن الله ...
ثم يتدلى ويتجسد بينهم وهو من أمرهم أعلم وبقصة درداس أعرف بإذن الله ...
فيطأطؤون رؤوسهم احتراما وتبجيلا كلهم أجمعين بإذن الله ...
الملك العظيم ( يخاطبهم ): ما خطبكم وهو أعلم بهم ؟؟!!
كبير ملائكة العذاب : جئنا نقبض روحه بإذن الله ربنا... ثم بأمر الكتاب لأنه قتل ١٠٠ نفس... وهذا سجله وكتابه المرقوم الكبير من سجين يا سيدي بإذن الله الواحد الأحد العليم ...
كببر ملائكة الرحمة : جئنا نقبض روحه بإذن الله ربنا الله وحده لا اله الا هو... وهذا كتابة وسجله من عليين ويقدم كتابا صغيرا فيه صفحات معدودة فقط !!!
الملك العظيم : جاء من عند الشيخ الحكيم واصف تائبا إلى تكية العابدين هاربا من القرية التي كانت تعمل الخبائث بإذن الله ...
الملكين معا : نعم يا سيدي بإذن الله !!! الملك العظيم : اذا قيسوا بين القريتين إلى أيهما هو أقرب تأخذه بإذن الله منكم...
فإذا كان أقرب إلى القرية الفاجرة تأخذه ملائكة العذاب ؛...
وان كان إلى القرية الطبية الصالحة أقرب تاخذه ملائكة الرحمة بإذن الله .. ارتعب درداس وكادت روحه ان تموت وهي في جسده ولا تدري اين تذهب.. فبدأ يقول بصوت عالي مسموع :.. يالله يالله يالله يالله يالله... ولا يزيد ويعلو صوته شيئا فشيئا ....
في أجزاء من الثانية رجعت الملائكة فقد قاست ما بين القريتين وصدر القرار ... كبير ملائكة العذاب :
ألم أقل لك يا سيدي هو أقرب بشبر واحد إلى القرية الظالمة !!!!!!؟؟؟؟؟؟؟ فاشار اليهم ان خذوه وهنا صار درداس يصرخ صراخا يهز الأرض والسموات... والمخازيز السوداء تمزق جسده وهو يصرخ ويقول : يالله يالله يالله يالله ليس هذا أملي فيك.. وحدك يا الله.. ويكاد يختنق من حشرجة روحه في بلعومه ... وهنا تسجد الأرض والسماء وتهتز خريطة العوالم والأكوان.. وتتحرك المجرات والنجوم والكواكب والإجرام... ويصدر صوت لدني قدير عظيم رائق يسمعه درداس وكل شيئ.....!!!! "
قد قبلتك يا عبدي فتحركي يا أرضي من أجل عبدي التائب "..
فتعود روح درداس في جسده وينظر حوله فاذا كل من حوله من الرجال رجال بيض عن يمين وشمال... واذا به ينظر من بعيد فيرى سودة تمد يدها إليه من بعيد.. وتكاد يدها تمتد فتصله من بعيد ...
روح درداس تتحرك في صدرره بعنف وهو يمد يده وفيها قلادة سودة يريد ان يوصلها لها بيده... وهي تحاول ان تصل يده كي تسحبه عندها ولم يبق إلى مسافة إصبع واحد كي يصلها.. فتهتز الأرض من تحته بإذن الله... وامره وحده وتتمدد وتقذفه وهو يدفع بصدره إلى الأمام... فتمسك سودة بيده وهنا تخور كل قوى درداس... ويغيب في غيبوبة صعبة ويده مرفوعة بيد سودة.. وهو يرفع اصبعه يشير يالله يالله يالله يالله ...
الملك العظيم : قيسوا بين القريتين بإذن الله !!!!
تقيس الملائكة المسافة من جديد ولا تعترض على أمره ... كبير ملائكة الرحمة : هو الآن أقرب بشبر واحد إلى القرية الصالحة يا سيدي ...
هنا يشير إليهم بإذن الله الواحد الأحد... خذوه إلى الله ونعم بالله العظيم الأعظم ...
تسقط رأس درداس على الأرض ووجهه يغمر في التراب وتختفي القلادة من يده فقد... ذهبت مع روحه إلى هناك حيث الرحمة التي لا يفهمها العباد من رب العباد ...
تأتي عفراء فرس درداس تلحس رأسه العاري المدفون في التراب... تحاول ايقاظه ولكن عبثا فلا حراك فيه بإذن الله ...
فماذا يحدث لجسده يا ترى ؟ -
الجزء الثلاثون (٣٠) والأخير بإذن الله
مات درداس السفاح ،... وصعدت روحه إلى بارئها بعد ان حيرت ملائكة الرحمة وملائكة العذاب... وحرك الرب العظيم الأعظم طبوغرافية الأكوان من أجل توبته بإذنه... لا راد لأمره.. ولا قدر يعلو على قدره ورحمته لا إله إلا هو ... عفراء المسكينة تدور حوله والظلام الدامس المخيف يخفي في احشائه الأهوال... وعفراء تحس بما حولها وتحاول ايقاظه كما تعودت تلحس رأسه ووجهه فيفيق ... ولكنه الآن في هذه المرة لا يفيق... فصارت تدور حوله كالمجنونة وكأنها تحس بخطر عظيم حوله وهو مسجي على الأرض... ووجهه مغمور بالتراب ...
عيون لامعة تضيئ في جوف الصحراء تقترب من بعيد ولاصوت لها... تراها عفراء فتبدأ بالصراخ والصهيل بصوت عالي كي يفيق درداس ليدافع عنها وعن نفسه... كما كان يفعل دوما بإذن الله ....
إنها ضباع الصحراء المفترسة الشرسة اللعينة التي تهاجم كل حي وتفترس كل شيئ يتحرك على وجه الأرض... يخشاها الجميع ويتجنب طريقهاالفرسان ...
انها الآن قد شمت رائحة الدماء دم درداس الذي يسيل من جرحه المتقرح ويختلط برمال الصحراء...
عفراء تلحس رأس درداس وتحاول ان تقلب جسده الثقيل... وتصرخ بأعلى صوتها... والضباع تقترب تجري من بعيد قاب قوسين او أدنى من جسد سيدها المسجي على التراب.. الذي لا يستجيب لها قط ...
الضباع تحيط بها تقف تراقب الوضع وصراخ عفراء يملأ الارض والسماء ...؛ عفراء تقرر الدفاع عن نفسها وعن جسد سيدها.. فتجعل جسده بين أقدامها من تحت جسدها وبطنها تدور حوله تراقب هي أيضا تلك الضباع الأربعة المسعورة الهائجة ...
قررت الضباع الهجوم عليها للقضاء عليها لتصل إلى رائحة الدماء ... لتفتك بها وتنهش لحمها كما تفعل دوما بوحشية وشراسة ...عفراء في وضع قتالي دفاعي متوثب ...هجمت الضباع عليها وعلى جسد درداس المسجي ...رفست الضبع الأول بقوة فطار اقداما بعيدة...
وعضت الثاني باسنانها فصرخ وهرب... بينما عضها الضبعان الآخران في صدرها وفخذها عضا مبرحا... صرخت على أثرها وهبطت إلى الأرض متجنبة جسد سيدها... ثم ما لبثت ان تمالكت على نفسها وقامت من جديد في جولة تحد وترقب أخرى... قد تكون حاسمة.. فضبعان قويان يحيطان بها وهي جريحة تنزف نزفا غزيرا... يثير شهية الضباع الأخرى التي بدأ صوت عوائها يصم الآذان... وهي تستدعي عونا من ضباع أخرى كي تلحق بها في هذه المعركة الغربية ...
وقبل ان تبدأ الجولةالثانية من المعركة وعفراء تكاد ان تنهار ... تلوح مشاعل من نار كثيرة تقترب بسرعة الريح من بعيد ...توقفت الضباع تلتفت تجمعت الضباع تناقش الأمر ...المشاعل النارية تقترب بسرعة غير مسبوقة تتقدمها شعلة تكاد ان تطير فوق الأرض... وأصوات خيول ورجال تصرخ تضرب ظهور خيولها كي تسرع ... الضباع قررت الهرب الا واحدا أراد ان ينتقم من عفراء التي عضته اوجعته ...فهجم عليها وعضها من رقبتها ثم هرب ...صرخت عفراء صرخة مدوية ...هربت الضباع وهي تلتفت خلفها ....وصلت مشاعل النار إلى المشهد العجيب ...
نعمان ( يقفز من فوق فرسه إليها ) : عفراء عفراء عفراء تأخرنا عليك يالله يالله ياالله ....درداس أخي حبيبي ...يالله !!!
يصل بقية الرجال ويقفزون من فوق خيولهم وبعضهم يطاردون الضباع الهاربة فهم يعرفون غدرها وخبثها واسلوبها الخؤون!!!!
ينكفأ نعمان ومعه فيروز وشهران على جسد درداس يقلبه بهدوء يرى دمه المتقيح يسيل من. جرحه المسموم على رمال الصحراء... يتلمس نبضه ودقات قلبه ...ثم يشيح بوجهه ويبدأ بالبكاء والنحيب ...لقد مات درداس ...
آخر من بقي من أهله له في الأرض ... البقية لا يصدقون ...يقبلون على جسد درداس يفحصون نبضه وقلبه ...وعندها تخيم على الموقف سحابة من الصمت والنحيب الخفي يشيح الرجال القساة بوجهوهم عن بعضهم البعض كل في اتجاه ...
يبكون ينتحبون فقد قذف الله في قلوبهم الرحمة بإذنه ...
يهز الأرض والسماء صوت ارتطام قوي بالأرض يشق ذلك الصمت الرهيب ...انه جسد عفراء يخر على الأرض... فقد نزفت وخارت قواها وانهارت وهي الآن تلفظ أنفاسها الأخيرة إلى قرب جسد سيدها المسجي امامها ...
يهرع الرجال اليها مرعوبين من هول الارتطام محتارين ماذا يفعلون !؟؟؟ الشيخ الحكيم واصف االذي حضر معهم : اتركوها تموت بهدوء يا سادة فكل من عليها فان بإذن الله ...
نعمان ( مخاطبا الشيخ واصف ) : تذكر حلم أخي درداس الذي حدثتك قبل ان نهرع بحثا عنه ياسيدي ؟!!!
الشيخ الحكيم واصف : من أجل تلك الرؤيا جئت معكم يا رجال ؟!!
نعمان : اي الرجال اخذوه يا سيدي ؟؟!!!
الشيخ الحكيم واصف : الا ترى ذلك النور في وجهه من تحت غبار رمال الصحراء ؟؟؟!!!
ألا تشم رائحة المسك في دمه المتقيح ؟؟؟
ألا تعرف إذا أي الرجال أخذوه ووكيف حفظ الله جسده من ضباع الصحراء المفترسة !؟؟؟؟
يتوقف نعمان عن البكاء وبقية الرجال وبدؤ يجهزون الزلاجات لنقل الجثامين ...
يسود الصمت الحزين المشوب بالأمل.. كل القلوب..
يأمر الشيخ الحكيم واصف الرجال بنقله إلى خباءه حتى الفجر كي يدفن في جنازة مهيبة قرب قبر حبيبته سودة... كما وصى هو اخاه2 نعمان من قبل ...
وهم يصنعون الزلاجات يصل رجل آخر معه مشعل من نار يسلم عليهم يستعلم الخبر ...انه رجل الشيخ بدران رسول الخبر والأسرار ...
يتحرك الرجال بصمت وحزن إلى خباء الشيخ الحكيم واصف يظلون هناك حتى تشرق الشمس..
ومن هناك يتحرك الركب الكبير إلى الجبل الأشم.. حيث وكر العصابة القديم وبيت درداس بيت الذكريات بإذن الله ...
يطير خبر وفاة درداس السفاح في البوادي فيهز قلوب الفرسان وكثير من الناس... وهناك في مقام الجنازة يحفر شهران وفيروز وزعنون ونعمان قبر درداس قرب قبر سودة..
وتبدأمراسيم الدفن وينظر نعمان خلفه إلى الجنازة فيري عجبا عجاب ... جحافل من الفرسان ... الشيخ بدران وزوجته سي واختها سمرة..
( الأخت الصغرى لسودة )... وكبير جند الملك العادل والشيخ واصف الحكيم... والعطار سادي وابنته سعاد وامها... وكل رجال درداس الذي عملوا معه وفرسان كثيرون يقفون من بعيد لا يقتربون بسبب وجود كبير جند الملك العادل... فهم مطلوبون له لأنهم قطاع طرق ...
يدفن درداس ويبدأ الشيخ واصف : سيدي كبير جند الملك العادل وسيدي الشيخ بدران ؛... أطلب الأمان لكل الموجودين لحضور الجنازة !!!
كبير الجند : موافق يا سيدي.. لا أرد لك أمرا في هذا المقام !!!
الشيخ واصف الحكيم يشير إلى الفرسان من بعيد فيقبلون ويقفون مع الناس...
يخطب الشيخ واصف الجمع خطبة تهز القلوب والأرواح... يطلب فيها من كل العصاة العودة إلى الله... ولهم الصفح والأمان بإذن الله ....
ينهي الشيخ خطبته فيتقدم فرسان كثيرون يطلبون التوبة والصفح... ويتحول المشهد إلى مظاهرة ومعاهدة وصفح وغفران ..
تننتهي الجنازة فيذهب الشيخ واصف إلى قبر درداس يأخذ سيفه البتار يسلمه إلى أخيه نعمان... ويوصيه بالعدل والعفو الرحمة لله وكفى ... ينادي الشيخ بدران : أيكم نعمان أخو درداس ؟!
نعمان :سم ياسيدي الشيخ بدران ؛.. أنت الآن قائد في جيش كبير الجند في جيش سيدي الملك العادل بإذن الله ...
يلتفت كبير الجند الذي يهز رأسه موافقا بإذن الله ...
الشيخ بدران : وزيادة هذه سمرة أخت سودة أوصت سودة في رسالتها ان تكون لك زوجة فماذ تقول ؟!
ينظر نعمان إلى سمرة وهي تلبس السواد فارسة قوية كسودة تكشف عن وجهها فيطير قلبه لها... ويهز رأسه بشدة موافق... يذهب إليها ويختفيان بعيدا عن الأنظار فورا ...
الشيخ بدران : أما أنت يا زعنون... فأنت الآن كبير الطهاة في سرادقي بإذن الله ...
ومن بعيد يقف شهران ومعه سعاد وفيروز وجاريته في فرح شديد بإذن الله ...
انتهى...
د.محمد ابو نجم... رواية من وحي الحديث الشريف الصحيح :-
وقد قصَّ النبي صلى الله عليه وسلم قصة رجل أسرف على نفسه ثم تاب وأناب،.. فقبل الله توبته،...
والقصة رواها الإمام مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-..
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:..
«كان فيمن كان قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفسًا،.. فسأل عن أعلم أهل الأرض،.. فدُلَّ على راهب،..
فأتاه فقال:.. إنه قتل تسعة وتسعين نفسًا،... فهل له من توبة؟..
فقال: لا... فقتله فكمَّل به مائة،..
ثم سأل عن أعلم أهل الأرض،.. فدُلَّ على رجل عالم،..
فقال: إنه قتل مائة نفس،.. فهل له من توبة؟... فقال: نعم،..
ومن يحول بينه وبين التوبة،.. انطلق إلى أرض كذا وكذا،... فإنّ بها أناسًا يعبدون الله،.. فاعبد الله معهم،.. ولا ترجع إلى أرضك،.. فإنها أرض سوء.. فانطلق حتى إذا نصَفَ الطريق أتاه الموت،.. فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب،.. فقالت ملائكة الرحمة:.. جاء تائبًا مقبلاً بقلبه إلى الله.. وقالت ملائكة العذاب: إنه لم يعمل خيرًا قط...
فأتاهم ملَكٌ في صورة آدمي،.. فجعلوه بينهم،.. فقال: قيسوا ما بين الأرضَيْن،.. فإلى أيتهما كان أدنى فهو له...
فقاسوه،.. فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد،.. فقبضته ملائكة الرحمة»... قال قتادة: فقال الحسن:..
ذُكِرَ لنا أنه لما أتاه الموت نأى بصدره."
الحمد لله رب العالمين
من حكايات الدكتور محمد أبو نجم