top of page

العدد الثاني

 الجزء الحادي عشر ١١
جلس درداس من رقدته وبدأ ينظر إلى نعمان ويركز عليه... وكأنه لا يرى سودة المتحفزة من بعيد ..
نعمان : لن تراع يا أخي أنت بخير.. جرح بسيط بدأ بتعافي بفضل الله.. والآن ماذا حلمت هذه المرة يا أخي الحبيب ؟!..
درداس : نعمان ...نعمان ...نعم أنت أخي نعمان ...أنا احبك يا نعمان...
أنا اعلم أن جرحي غائر وكبير.. ولكن لا أبالي فهي حياتي ياأخي... فلا تقلق علي !!..
نعمان :أنت بخير يا أخي الآن.. ماذا حلمت ما الذي روعك كدت تفتك بالمرأة التي تقوم برعايتك ... هنا يتلفت درداس بعيد فيرى سودة تبحلق في عيناه مذهولة فيستحي منها ويتبسم ويغض بصره ...
درداس : قد رأت كل شي من جنوني يا نعمان ؟!!
 نعمان:يضحك نعم قد رأت وسمعت كل هذيانك وجنونك وهي صابرة عليك.. وقد كدت ان تقتلها المسكينة !!! درداس يلتفت إلى سودة ويعتذر لها مطرقا وجهه إلى الأرض.. بصوت خافت حزين ويلتفت لأخيه نعمان ويبدأ يروي حلمه العجيب وسودة كلها آذان صاغية لما يقول ..
درداس : رأيت أفعى سوداء لها رأس حاد مدبب تهجم علينا في هذه المغارة فضربتها بعد ان نُفثت سمها الزعاف.. ورأيت أني أزحف بعيدا وهناك رجال بيض من نور تسحب روحي من جسدي وسودة تناديني بملء صوتها.. تفتح يداها أن أقبل يا درداس.. إقبل إقبل إقبل.. فأذهب إليها واصحوا وهي تصرخ فأصرخ معها ...
 نعمان :هذا حلم طويل معقد يا درداس لا بد ان نذهب إلى حكيم الجبل ليفسره لنا بإذن الله ...
درداس : نعم يا نعمان لا بد ان نذهب بإذن الله...
نعمان : وما رأيك يا سودة ؟!..
سودة (تجيب وهي تحضن رضيعها وتبكي ):... ما أظن إلا أنه حلم مخيف ينم على خواتيم غير مريحة يا نعمان!! نعمان: واناكذلك يا سودة والله المفرج.. درداس :ولم ذلك يا نعمان انا دائماً أحلم احلاما عجيبة غريبة !..
فلماذا أزعجك هذا الحلم يا نعمان ؟! نعمان :صحيح يا أخي إنك تحلم أحلاما خرافية.. الا أن هذا مختلف ولست فيه وحدك وفيه رجال من نور وفيه سودة ؟!..
هنا يصمت درداس ويفهم الأمر وأنه جديد ويبدو انه حلم مخيف فيسكت ويستلقي بظهره على الأرض....
. يخرج نعمان من المغارة بعد ان اطمئن على أخيه درداس وانشغلت سودة برضيعهاوهي في حالة غير مطمئنة كما رآها نعمان ؟!..
تمر الأيام آمنة من غير اعتداءات ودرداس يتحسن ويتحسن وسودة تقوم برعايته وتتفانى بخدمته وهو يتعلق بها أكثر وأكثر... وهما يتسامران الحديث يوميا مع الرجال حول النار بأمان ....
بدأ درداس يتعافي شيئاً فشيئاً إلا أن جرحه لا يكاد يلتئم للأسف.... سودة تحذره منه انه إذا ألتهب فإنه سوف يؤذيه ايذاء مباشرا ويؤثر على حياته.. ؛وهو لا يعبأ بكلامها ويتحرك وكأنه معافى تماماً مكابرا عنادا منه واستعراضا أمامها...
نادت سودة نعمان وسألته : هل نحن بأمان يا نعمان ؟!..
نعمان : لا يمكن أن نكون بأمان قط ياسودة نحن في حراسة دائمة ليل نهار... وعددنا قليل ليس كما قبل.. ودرداس مصاب مهما أخذه الغرور بنفسه أنه معافى.. واعدؤنا يعرفون ذلك الآن وهذا خطير ...
سودة : ألا ينبغي علينا تغيير مضاربنا يا نعمان احتياطا من الأعداء ؟..
نعمان : لن تجدي يا سودة وكراً أكثر تحصينا وخدمات مثل هذه المغائر... ونحن نعرفها جيدا والصحراء مكشوفة والمواقع كلها محسومة لعصابات أخرى... قد أصبحت الآن أقوى منا.. وأي تحرك منا الآن يفهم ضعفا وانهزاما ويجرؤهم علينا يا سودة !!..
سودة : أصبت يا نعمان ؛... وما تقول في حلم أخيك الخرافي .؟!.. نعمان :انت قلت بنفسك انه خرافي فماذا تريدي ان أقول بإذن الله يا سودة حفظك الله ( يضحك )... سودة : قد فهمت فيه مقتلي ومقتله يا نعمان فلا تنسى ما أوصيتك به بشأن رضيعي تسلمه إلى أختي "سيدة " زوجة شيخ البراغيث.... أنت قلت أنك تعرفه...
نعمان : يعرفه أخي أكثر  مني يا سودة فلم هذا التشاؤم منك.. توكلي على الله يا سيدتي بإذن الله أنت بخير ... سودة : لم أكن أكثر توكلا على الله أكثر مني الآن يا نعمان.. ولكن هذا حدسي والله المعين ...
نعمان : لا تقلقي يا سيدتي انت بخير ورضيعك بإذن الله.. وإن حدث لا سمح الله اي مكروه فنحن سدادون بإذن الله ...
سودة : تعرف كلمة السر والعلامة التي قلت لك ؟؟..
نعمان : كلمة السر "ماحك ظهرك الا ظفرك "... والعلامة " قلادة الخرز "... سودة أحسنت يا نعمان ...الآن اطمئن قلبي.. وهنا يدخل درداس وفيه دوخة يترنح ... تنهض سودة ونعمان اليه يسندانه وهو يبعد أيديهم يقول ( مكابرا ):.. انا بخير انا بخير !!.. يخرج نعمان ويجلس درداس غاضبا من ضعفه ويتمدد على فراشه يرتاح بعد ان يخلع بعض ثيابه ...
سودة : انا خارجة إلى الشلال الدافئ للحمام يا درداس بإذن الله فلا تنام !! درداس لا يفهم مقصدها ولكنه يفكر في حاله وعصابته وصحته وكل شيئ ماذا يفعل ماذا يفعل..؟؟
فليس الحال كما هو الآن معه ...
يمر وقت غير طويل وتصل رائحة العطر الرائعة إلى أنف درداس الحساس لعطور النساء فينتفض من مكانه يلتفت إلى سودة التي تأتي من زاوية الحمام الدافئ.. وقد لبست الشُّفوف من اللباس حتى بدت محاسنها وشعرها الطويل الجميل المسبل .. اقتربت سودة من درداس ونظرت إليه ووقفت أمامه وقالت :..
سيدي انا جاريتك أليس لك فيّ من أرب !!؟؟؟
هنا يطير عقل دردلس لهذا المشهد المثير العجيب وتتحرك فيه كل نوازع الدنيا ويكاد يطير من مقامه إليها.. وينظر اليها بكل حب وحنان وشوق ورغبة.. ويقول بأسلوب راقي حنون .. درداس : سودة تعلمين كم أحببتك وكم أريدك ولن أفرط في شعرة من شعر رأسك بإذن الله... وحاشاك ان تكوني جارية أنت سيدتي يا سودة ولا أريدك الا بالحلال... اتزوجك في أقرب فرصة بأجمل عرس تهتز لها القبائل كلها بإذن الله.. فاصبري يا سيدتي كما صبرت انا والله الصبور ...
سودة ( تطرق رأسها خجلا من مروءته وجميل كلامه ):..
قد كبرت في عيوني يا حبيبي يا درداس اصبر بإذن الله ...
تقترب منه تجثوا علي5 ركبيتها تقبل يداه وجبينه وتفل سريعة إلى مخدعها سعيدة فرحة كالعروس ...


الجزء الثاني عشر ( ١٢)
مرت الأيام وبدأ درداس يتعافي شيئاً فشيئاً... إلا انه لم يعد قط إلى هيبته وقوته السابقة التي كانت تروع وتخلع قلوب الرجال.. فقد تحول وبدا رقيقا لطيفا حنونا سريع الدمعة.. آلا ان هناك كشرة كانت تظهر على جبينه تهز كل من أمامه في بعض الأوقات عند الغضب ...
درداس : ماذا ترانا فاعلين يا نعمان ؟! نعمان: وماذا ذاك يا اخي ؟
ما الذي يجول في خاطرك ؟!..
درداس : هؤلاء الرجال يريدون السطو والسلب والنهب كما كنا نفعل وما أراني لي جلد ورغبة في ذلك بعد الآن يا أخي ؟..
هل تقودهم أنت بإذن الله ؟!..
نعمان : لست بصاحب ذاكم يا أخي ؟!! درداس : وما العمل اذا ؟!
 نعمان : نوزع عليهم ما عندنا من مال ونسرحهم كل في طريقه.. والسبب أننا نريد الاستقامة لله بصدق ونتوب إلى الله ؟!..
درداس : صدقا يا نعمان !!!..
أوتريد ذلك !!
نعمان :انت تعلم أنني دوما كنت أريد ذلك ياأخي ؛.. فما هكذا علمنا أبونا وأمنا ولا الملك سنام الجبل.. ولا أستاذك الشرقي العجيب ذاك ؟.. درداس : نقلتني إلى عوالم قديمة يا نعمان.. ؛ ولكن انتقامي لأستاذي هو الذي صنع مني ذلك الوحش السفّاح يا نعمان ؟!..
نعمان : أصابتك لوثة الانتقام وحب العظمة وسطوة القوة المميزة والمال والنساء يا اخي ؟!..
هنا تدخل سودة المغارة ومعها طفلها ...
سودة : مالي أسمع حديثا عن النساء وأي نساء هذه يا نعمان ؟!!
نعمان (يتغير وجهه ولا يدري ما يقول ):ماذا تقصدين يا سودة لم أسمعك ؟!!
 سودة ( تضحك ) : الآن لم تسمعني يا نعمان !!؟...
يتدخل درداس :كنا نتحدث عن الماضي يا سودة وماذا سنفعل في اللاحق من حياتنا !!؟؟
 سودة : وما دخل النساء في ذلك يا درداس !؟
يتورط درداس هو الآخر ولا يدري ما يقول وهنا يتدخل نعمان ويصدق :.. كنا يا سودة نتذكر الأيام الخوالي وكيف كنا فجارا نعبث بالأموال والنساء !!!
 سودة : الآن تصدق يا نعمان ولذلك يتمعر وجه درداس من كلامك ؛.. اليس كذلك !!؟؟؟
 نعمان : اعلمي يا سودة أن درداس لا يؤذي النساء قط ولم يكن قط وحشا كما يصفه الناس ؟!!
سودة : انا عرفت درداس أكثر منك يا نعمان.. وليس عندي اي شك في ذلك ؟!!
درداس : وهل ترى يا نعمان أنك تتوب إلى الله توبة نصوحا ؟؟؟
وهل تقبل توبة رجل قتل ٩٨ نفسا من الناس يا نعمان ؟!!
نعمان (يسكت ) ولا ينطق :.. وهل فعلا كنت تعد أعداد من تقتل يا درداس ؟! درداس : وإلا لماذا كنت أجد تلك الكوابيس التي كانت تقتلني ليل نهار يا نعمان ؟!!
نعمان : وضعك صعب يا أخي وعزة الله؛.. لا يقضي فيه أحد غير الله وحده ؟!!
سودة : اذا كان الأمر لله وحده يا نعمان ؛.. فما الذي يمنع بينك وبين التوبة يا درداس ؟!
 درداس : ٩٨ نفسا من البشر يا سودة كلها معلقة بي وحدي ...يطأطأ راْسه ويبكي ويبكي ....
سودة ( تسكت ونعمان يخرج من المغارة )،.. تقبل سودة على درداس تحضنه وتمسح على راْسه وتقول :.. سيقبل الله توبتك يا سيدي سيقبل الله توبتك يا سيدي.. لأنه الله العليم الحكيم ...
درداس يظل يبكي وكأن حضنها قد أراحه وأعجبه فلم يحضنه هكذا أحد من قبل ....
هنا يسمع من بعيد صوت نباح الكلاب في الحظيرة البعيدة يعلو وفجأة وينقطع النباح بشكل مريب غريب .. هنا يفز درداس من حضن سودة ويبدأ يصرخ بالرجال تجهزوا هجوم هجوم هجوم يأمر سودة ان تتجهز بزي الميدان ويخرج كالطلق البارق ...
تبدأ حركة عجيبة في الساحة الكبرى ويموج الرجال في الميدان ...
نعمان : ما الأمر يا درداس ؟!
درداس : قد قتلوا الكلاب كلها وسوف يغيبون فترة ثم يهجمون بغته علينا... فيجب ان نكون جاهزين بإذن الله من غدرهم ومكرهم...
نعمان : الآن فهمت دعني أشرح للرجال يا اخي ...
درداس : الذي يفعل ذلك هم القواليص لا شك وهم يريدونني انا بعيني وسودة... فحذار يا نعمان ؛...
فزغ فيروز وشهران لحماية سودة وانا وانت في الميدان..
. نعمان :أخي لست الآن مستعدا للنزال يا أخي.. فابق في الخطوط الخلفية ونكفيك المقدمة بإذن الله !..
درداس : لا تحزن يا أخي أنا لها بإذن الله... واذا رؤوني يخافون فلا تقلق وكن إلى جانبي دوما بإذن الله ... نعمان :لبيك أخي لا تقلق لن أتخلى عنك ....
درداس : أحس بخديعة يا نعمان ؛.. اذا كنت تشك بأحد من رجالنا يمكن ان يغدر بِنَا من الخلف فاجعله في المقدمة فان رفض فاحبسه !!
وكمن الرجال في أماكنهم بحذر شديد وحرص كبير.. وصمت بالغ..
وذهب درداس إلى مغارة سودة وهو لا يدري لهاذا يفعل ذلك !!
سودة : انت بخير يا سيدتي ؟.. سودة : ما توقعتك تترك الميدان لتأتي تسألني عن حالي !!!
درداس : تظني صدقا ان الله يقبل توبتي يا سودة ؟!!
سودة : نعم يا حبيبي وما الذي يحول بينك وبين التوبة ...انه الله الغفور الرحيم ...
درداس : ٩٨ نفسا بشرية يا سودة ؟؟ سودة : وحتى ذلك إن الله غفور رحيم وما كادت ان تلفظ تلك الكلمة واذا بها تصرخ بأعلى صوتها وتهجم على درداس تسقطه أرضا بصراخ هستيري مجنون ؟!..
فما الذي حدث يا ترى ؟..

الجزء الثالث عشر (١٣)
كانت تصرخ وتولول بصوت مدوي مجهول.. وسقط درداس على وجهه من هجمتها عليه.. وزاد صراخها يهز الميدان وفز رضيعهامفزوعا يصرخ هو الآخر بشكل جنوني ...
رفع درداس راْسه بسرعة خاطفة ليعرف السبب.. فإذا يرمح أسود ذو رأس مدبب يخترق رقبتها ويخرج من ظهرها.. وتتلاقي العيون المبحلقة بنظرة الوداع.. وهي تصرخ الله الله الله.. وهو بشكل مفاجئ وخاطف وسريع كالبرق يستل خنجره من غمده ويضرب بكل قوته مصدر الرمح... وهو لا يكاد يرى سوى عيون سودة وهي تغمض بين يديه... ورأسها يثقل على كتفيه.. وهي تحدق به تشير إلى رضيعها.. ثم تتبسم تغمض عيناهابرفق وحب وحنان.. ودمعتان تسقطان على يديه لحظات سريعة كأنها الحلم...
يحمل درداس سودة بين يديه والرمح في نحرها وينظر إلى السماء ويصرخ صرخات يهز بها المغارة والميدان ... تمتلأ المغارة بالرجال ...نعمان وفيروز وشهران وزعنون وغيرها ليحضرا المشهد المدوي ...
درداس يحمل سودة بين يديه والرمح ظاهر في نحرها وهو يصرخ كالمجنون ...
وجثة هناك على الأرض في باب المغارة أسود ملثم وقد فتحت مؤخرة راْسه بخنجر كبير ...
 يسرع نعمان اليه فيكشف عن وجهه .. نعمان : انه صهريج أخو جغبير التوأم!!! نعمان : يأمر الرجال عودوا إلى مواقعكم وافتحوا عيونكم جيدا... فلا نريد ان يقضي علينا جميعا هياتحركوا !!!
 يتحرك الرجال وهم في حالة من الذهول كيف استطاع صهريج ان يصل الى المغارة ويتجاوز الحراسات !؟؟ يخرج الرجال من المغارة ويأمر نعمان شهران ان يحمل الرضيع إلى المغارة الجانبية ليسكته.. ويعتني به يخرجه على الأقل من المغارة كي يهدأ الوضع قليلا ...
يقترب نعمان من درداس ويأخذ سودة من بين يديه يضعها على الأرض... ويأمر فيزوز ان يتعامل مع الرمح فيكسر رأسه ويخرجه من نحرها ثم يلفها ويغطيها ... يقترب نعمان من درداس يحضنه كالطفل الصغير وبربت على كتفه كي يهدأ.. ويسكت وهو يبكي وينتحب !!!
يهدأ الوضع قليلا ويتوقف درداس عن النحيب ويهم فيروز بلف سودة بغطاء أبيض.. فيقبل درداس يقبل رأسها ويلفها بعبائته التي يحب أولا.. ثم يطلب من فيروز اي يلفها بعد ذلك بما يشاء ....
يأتي نداء من الخارج ان هناك تحركات مريبة فخذوا مواقعكم فيخرج نعمان ودرداس والنار تشتعل في قلوبهم غيظا وانتقاما من قتلة سودة... القواليص ... يخرج درداس يصرخ في الميدان بصوت جهوري عالي كي يسمعوه وانه ما زال على قيد الحياة... يدور في الميدان من كل الإتجاهات يصرخ بأعلى صوته مهددا منذّرا ... وبعد قليل يصل زعنون يقول : سيدي لقد هربوا يا سيدي لقد هربوا !!! درداس : هل نلحق بهم يا نعمان ؟!! نعمان : ندفن سودة يا سيدي ونتدبر أمر رضيعها أولا.. باْذن الله!!
درداس : صدقت يا اخي نعم الرأي ! يشير نعمان إلى أخيه درداس ان تعال جانبا أحدثك !..
نعمان ودرداس وقد آخذا جانبا من الميدان والرجال هناك في حيرة من امرهم ماالذي يحدث ؟!!
نعمان : أظن أنه قد آن الاْوان كي نحسم امرنا ياأخي... ونغلق هذا الأمر إلى الأبد !..
درداس : نوزع المال على الرجال ونفض العصابة ونذهب نسلم الرضيع إلى خالته ؟!..
درداس : خالته سيدة زوجة ملك القسوس في مملكة الملك العادل... الذي رصد الف دينار من ذهب لمن يحضر رأسي... وعشرة آلاف لمن يحضرني حيّا يا اخي ...
نعمان : نحن عندنا كلمة السر والعلامة نحن بأمان يا أخي !
درداس : أولا نتوب إلى الله فقد أصبحوا الآن ٩٩ نفسا يا نعمان !!؟ نعمان :لو لم تكن قتلته انت لقتله انا يا أخي في أي أرض كان بإذن الله !.. درداس : افعل ما تراه مناسبا فقد تعبت انا وانا معك حيث ذهبت باْذن الله ..اجمع الرجال أكلمهم ولا تبال ... نعمان : لا تتكلم انت دعني أتكلم انا يا اخي بإذن الله ...
نعمان ينادي الرجال فيأتون مسرعين يريدون ان يعرفوا ما الذي يحدث بأي ثمن... فيحتمعون ينظر بعضهم إلى بعض ...
نعمان : اسمعوا يا رجال قد صاحبناكم دهرا واحببناكم صدقا ولكن يبدوا ان الفراق قد حان.. فقد قررت انا واخي درداس التوبة إلى الله من هذا المنكر الذي نفعله... وسوف نوزع بينكنم بالعدل ما عندنا من مال.. وكل يذهب في حاله من غير غدر ولا خيانة ولا ضغينة فماذا تقولون ؟!..
احد الرجال : نحن نريد ان نظل معكم للنهاية يا سيدي ؟!
نعمان : النهاية عندنا هي التوبة إلى الله فحياك معها لله ان شئت !
درداس يأمر شهران وفيروز بإحضار المال لتوزيعه على الرجال... وصوت الرضيع يملأ الميدان.. ، ويحضر المال ويوزع بين الرجال بالعدل كل يأخذ حظه.. ويبدأ الرجال بحزم امتعتهم بحزن وصمت رهيب..
والكل صامت.. وقد بدأ فيروز بحفر قبر لدفن سودة الكل يراقبون من بعيد وصوت الرضيع يدوي في الميدان !!! فماذا يحدث يا ترى بعد ذلك..
⁠⁠⁠⁠

الرابع عشر (١٤)
كان مشهدا محزنا جداً ... الفراق ...رجال جمعهم القتل والسلب والنهب والكاس والفجور وفرقتهم التوبة إلى الله ...
راحوا يمشون وهم غير مصدقين ولا يعرفون ماذا يفعلون... وهناك في صف درداس يقف نعمان وفيروز وشهران وزعنون ... كلهم واقفون ينتظرون الأمر ماذا يفعلون ؟..
يذهب نعمان ليتحقق من الرضيع الذي فقع من شدة الصياح والرعب فسكت ونام ...
نعمان : قد سكت الرضيع يا شباب.. الآن نتحرك والحمد لله فإن أمه قد جهزت البعير لكل أغراضها وأغراضه عليه جاهزة وما لنا إلى المسير لأقرب مرضع ترضعه لنا بإذن الله ...
درداس : أيهاالرجال أنتم بالحِل ان شئتم صحبتونا وإن شئتم تركتم فلا حرج عليكم قط بإذن الله ... شهران :نحن معك يا سيدي بإذن الله... حتى نتطمأن أنك بخير.. وقد سلمت الرضيع إلى خالته.. فنحن لا نأمن عشيرة القسوس في مملكة الملك العادل.. فلقد كانت لنا معهم صولات وجولات وهم لا يحبوننا قط .. فيروز :وأنا معكم يا سيدي أيضاً لا أرحل قط الا إذا أمرتني بإذن الله.. عندها ألحق بأمي في ديارنا ان بقيت الديار بعد تلك الدهور ..
زعنون : وأنا دوما خادمكم يا سيدي إلا تريدون خادما مثلي يعد لكم الطعام والخيام والمبيت ..
درداس : ليس فينا بعد اليوم خادم ولا زعيم يا زعنون.. كلكم أحرار وسادة.. معكم المال الوفير لتكونوا ملوكا ان شئتم بإذن الله !!..
زعنون :وما بال الدنيا يا سيدي من غير الصحبة لا قيمة لها ورب العزة .. نعمان : طريقنا طريق التوبة إلى الله يا رجال والله الحافظ ..
فيروز : وكلنا معكم حيث شئتم بإذن الله يا سيدي ..
يهز الرجال رؤوسهم يوافقون على كلام فيروز.. فيفرح نعمان بذلك فرحا كبيرا ...
نعمان : هيا اذا نغلق فم باب المغارة ونهدم السور حتى لا تدخل من بعد ويبقى ما فيها لنا تحفظه الأيام فلا ندري ما يفعل بِنَا يا سادة... ثم نتحرك صوب البادية لنبحث عن مرضع لهذا الصبي.. ثم ننظر ماذا نفعل بعدها بإذن الله ...
درداس : يجب ان نتحرك بهدوء وحذر ونضع اللثام على الوجوه.. فإن أسرعنا السير خافت المضارب فنقلوا أخبارنا لجواسيس الملك العادل وما أكثرهم يبحثون عنا.. وبما ان عددنا قليل فلن يشكوا بِنَا هذه المرة.. ولكن يجب ان نحتاط بإذن الله ..
نعمان :هيا أعدوا خيولكم فإنا راحلون بعد قليل بإذن الله ...
يسرع الرجال إلى خيولهم ويهرع درداس إلى قبر سودة يقف أمامه وكأنه يحاكيها بعقله بعيداً.. ويأخذ بيده حفنات من التراب ينثرها على قبرها ثم يسرع إلى حصانه يقفز على ظهره.. وقد سحب نعمان رباط البعير وسبق القوم لأنه يعرف ان البعير بطيئ ...
سبق نعمان القافلة وبدأ يحدوا حذاءه الحزين يرثي به والدته وأبوه والملك سنام الجبل.. ثم أخيراً سودة ويتحزن على رضيعها بحدائه حتى أبكى الجميع من الذين لحقوه.. الذين كانوا دوما يطربون لحدائه هم اليوم من حدائه يبكون ... ماتت أمي ومات أبوي ...ومات الجبل ... لما ملك الجبل وسنامه مات ...وما فينا حدا الا ويموت ...واليوم بنت الجبل وسنامه ماتت ...ياجبل كيف تصبر كيف ...رمح مسموم ...من كف خؤون ...من النحرللظهر يا عيب الشوم ...رجال ماحمت ظعينة وصغير ...احتمت فيها والله يا عيب الشوم...
هنا تدخل درداس واسكته لأنه لم يعد قادرًا على تحمل حدائه من شدة الحزن والغيظ والبكاء ..
 نعمان : مالك يا درداس أليست الحقيقة التي أقول ؟!
درداس : نحن اقتربنا من أحد المضارب يا أخي وأخشى أن يسمعك أحد... فأنت تعلم ان الصحراء تجعل سمعك حادا مع حركة الرياح والأرض المسطحة !!
نعمان :صدقت يا أخي ...سوف نذهب إلى مضارب حارة الأغنام هناك مراضع بإذن الله ..
درداس وكم تبعد يا أخي عنا ؟
نعمان: نكون هناك قبل الغروب بإذن الله.. نسلم الرضيع إلى المرضعة التي نختار.. ثم نذهب إلى الحظيرة نسلم الخيول إلى غلام الخطيرة ليغسلهاويعلفها.. حتى  ظهيرة اليوم التالي.. ونبحث بعدها عن نزل جيد للطعام والمبيت.. وبعدها نستلم الرضيع ونتحرك إلى مملكة الملك العادل.. وهناك التحدي الكبير بإذن الله ..
فما رأيك يا أخي ؟
 درداس : نعم الرأي يا أخي !..
يسلم نعمان خطام الناقة لدرداس ويذهب إلى الرجال ليضعهم في الصورة ويحذرهم من الكلام بصوت عالي.. وأن يبقوا وجوهم ملثمة للاحتياط إلا من لا يرغب بذلك ممن هو غير معروف ..
يصل الركب إلى مضارب حارة الأغنام.. فيأمر نعمان فيروز وشهران وهم غير معروفين لتلك الحارة.. وأول مرة يصلون إلى تلك المضارب ليأخذوا البعير والرضيع بعد ان يفرغ مالا يلزم فيه.. من غير أغراض الرضيع ويأمرهم ان يسألوا عن أحسن المراضع.. ويجزلوا لها العطاء لترعاه حتى الظهيرة من يوم غد بإذن الله ..
يتحرك الرجلان فيوقفهم درداس : توقفا ...
درداس : حذار من الخطأ في الكلام عن من هو الرضيع.. هو لأحدكما ويلقي أهله بالظهيرة بإذن الله من غير أي إضافات.. وساوم في الدفع كي لا تطمع فيك.. وتزيد الأسئلة.. وأجزل العطاء في النهاية.. وليس في الدفعة الأولى.. اعطيها ما تطلب فقط ولا تزيد.. وعدها بالأكرامية بإذن الله ان أحسنت رعايته ونظافته ...
يتقدم درداس إلى الرضيع يتفقده فيتدخل نعمان ...
 نعمان: لا تقلق يا أخي ماتركت سودة معي انا لا تقلق فأنا أعرف أن المراضع تسرق...
درداس : اريد ان أتفقد رجله اليسرى يا نعمان ؟..
نعمان : ولم ؟..
يتفقد درداس قدم الرضيع فيجد عليها قلادة عليها خرزة زرقاء ملفوفة بخيط قطني ناعم...
درداس : من أجل هذه يا نعمان هذه القلادة !!!
سمعت سودة تقول ان أبناء الملوك يلفون أقدام ذكورهم الرضع بقلادة فيها حجر كريم غالي في قدمه الأيمن.. اذا كان أبوه ملك.. وفي اليسرى اذا كانت أمه ملكة... وبقلادة من فضة اذا كان دون ذلك.. وبالقماش اذا كان دون ذلك ...
يسحب القلادة ويسلمها لنعمان فيعجب الجميع منه ويأمر الرجلين بالتحرك ...
نعمان : هيا نترجل وعليك يا زعنون بتحضير الشراب الساخن حتى يعود شهران وفيروز بإذن الله.. فهل ينجون في مملكة الملك العادل ؟..


 الجزء الخامس عشر (١٥)
ذهب فيروز وشهران وغابا حيث أمرا يبحثون عن المراضع... وقد بدأ الرضيع يبكي ولكنه لم يبدأ بالصياح بعد فأسرعا في المسير !!!
أعد زعنون الشراب الساخن وترجل نعمان ودرداس على الأرض وأتاحا للخيول قليلاً من الوقت ترعى في البراحة... وكلهم يقظة يرصدون كل حركة حولهم ..
نعمان : مالي أراك متوترا يا درداس... فأنا أعرفك في الخطوب شُديد المراس ؟..
درداس : ظهري يا نعمان أوجعني في الركوب وما أردت أن أشعر الرجال يا أخي !!!
نعمان : كنت أشرت لي نخفف السرعة يا أخي ..تعال اكشف على الجرح لعله يحتاج إلى تنظيف.. ولأنك لن تقدر على ذلك وحدك ؛..
كانت ....وعندها سكت نعمان ....!!!!! درداس : رحمها الله كانت هي التي تنظف جرحي وتعتني بي ياأخي !!! نعمان : وأنا الآن اعتني بك ولكن سامحني لن أكون برقة سودة ...يضحك نعمان !!! درداس :أضحك الله سنك يا أخي لقد أدخلت السرور على قلبي ...
عندها يكشف نعمان على جرج درداس فيراه ملتهبا وحوله احمرار كبير ... نعمان : يجب ان نذهب قبل النزل إلى أحد العطارين يا أخي لشراء الدواء المنظف والمبهر بإذن الله ...
درداس : وهل الأمر سيئ لهذه الدرجة ؟!..
نعمان :هو غير مطمئن يا أخي ويحتاج إلى دواء بإذن الله... ولا بد من جمع بعض أعشاب الأرض قبل الغروب بإذن الله... ويبدأ بجمعها لتوه ...
ومن بعيد يمر بعض الركبان عليهم يسلمون عليهم يقتربون ثم ويذهبون بعيدا ...
درداس : لا يعجبني سلوك الركبان يا أخي.. يجب أن نتحرك فأمرهم مريب !!
نعمان : أؤيدك ألقول يا أخي ولكن يجب أنتظار الرجال !..
درداس : وماذا نفعل بهم يا أخي هل نسرحهم الآن بإذن الله ..
درداس: نسرحهم بإذن الله بعد تسليم الرضيع لخالته .. فلا آمن أرض الملك العادل يا أخي ...
نعمان : آه فهمت لك ذلك يا أخي ؟؟!!! يقف الرجلان يعدان الخيول مع زعنون للرحيل بانتظار عودة شهران وفيروز .. نعمان : ها هما يرجعان وليس معهما البعير يا أخي ...قد نجحا اذا الحمد لله ...
يقترب شهران وفيروز إلى نعمان.. ودرداس وقد أعد لهما نعمان قدحان من الشراب الساخن فتهللت وجوههم لذلك فرحا ...
فيروز : أنت الرجل والله يا زعنون عرفت ما كنا نريد فحياك حياك.. ينزلان لشرب الأقداح وكلهم فرح وغبطة ..
نعمان : أسد أم ضبع يا رجال ؟؟ فيروز : كلنا أسود يا سيدي !!!
درداس : وما ذاك؟؟!
فيروز : وجدنا مُنذ ان دخلنا البراحة في قرية الأغنام المراضع تركض علينا.. فلم نحتاج إلى ان تنادي لأن الرضيع قام وحده بالمهمة يا سيدي.. فضحك الرجال كلهم...
دلنا صبي على أمه فذهبنا إليه فقامت المرأة مسرعة وألصقته بصدرها فسكت لتوه فورا يا سيدي...
وقالت :هذا الصبي جائع من ليلته فأين أمه... وبدأت فورا تبحث عن قدميه كما ذكرت يا سيدي ؛.. عندما رأتنا تهلل وجهها وعندما تحسست قدميه تمعر وجهها فعرفنا أنها كرهت رضاعته.. فعقدنا معها اتفاقا مريحا مفرحا حتى ظهر الغد.. نستلمه شبعانا نظيفا معطرا نائما من غير ضوضاء وحرج بإذن الله.. وأجزلنا لها العطاء بإذن الله.. ونكمل لها الباقي عند استلامه ففرحت وسكتت وأغلقت عليها بابها ليلتها ..
درداس : هل سألت شيئا محرجا ؟ شهران ( يضحك ) :نعم سألت ما إسم الرضيع ؟!!
فسارع فيروز يقول : اسمه شهران.. فلم أقدر أن أقول شيئاً.. وسكتت يا سيدي ...
هنا وقف درداس وقال هيا نتحرك فلم يعد هذا المكان آمنا.. هيا ندخل القرية "درب الأجبان ".. نبحث عن حظائر للخيول وحمام ونزل وطعام هيا يا رجال ؛... ينهضون و يتحركون بسرعة يزيلون الآثار من المكان وينطلقون كالسهام في الصحراء ..
يصل الرجال قرية الأجبان وقد وضعوا اللثام على وجوههم من غبار الصحراء والسفر.. يسألون عن حظائر الخيول.. فدلوهم عليها فذهبوا اليها وهناك لقيهم الغلام على الباب ..
الغلام : أهلا بالضيفان فرسان الصحراء !!!
نعمان : خمسة من الخيول تنظيف وعلف وبيات لمنتصف الصبيحة كم تطلب عليها ؟؟
 الغلام : يتأمل الخيول ... هذه خيول أصيلة...وهي نظيفة ١٥ درهم لكل منها يا سيدي ...
 شهران: عشرة دراهم يا غلام مالك هكذا علينا ...
درداس :١٢ درهم لكل واحد ..
الغلام: موافق مطلوب ١٥درهم الآن .. نعمان:. هذه٢٠ درهم الآن ونجزل لك العطاء غدا ياغلام ..
يتهلل وجه الغلام ويبدأ يتسلم الخيول بعد ان بفك عنها الأحلاس ويسلمها للرجال.. فيأخذون ما يريدون ويتركون الباقي عنده في الأمانات ...
شهران : يا غلام دلنا على حمام ونزل جيد وطعام..
الغلام : في آخر هذا الرواق هناك حمام على اليمين كبير.. وحوله أكثر من نزل وأماكن الطعام ليس بعيدا ..
يحمل نعمان حلس خَيل درداس وحلس خيله هو وينطلق الجميع إلى الحمام ...
هناك يفترقون في الحمام على أن يتلاقوا في النزل والطعام ..
وهناك يشرف نعمان علي4 تنظيف جرح درداس بحذر ورقة من غير صوت.. ثم يربطه بضماد من ضمادات سودة.. ويخرج الرجال وقد تهللت وجوههم من الحمام يضحكون وتوجهوا جميعا إلى النزل يطلبون الأسرة للمبيت..
فيكون نعمان ودرداس في غرفة والرجال الثلاثة في غرفة.. أي جانبهم وهناك يؤمنون الأغراض والسلاح ويغلقون عليها الأبواب... ويذهبون لتناول لحوم الشواء في الليلة الظلماء . نعمان : لا نريد ان ننسى العطار يا أخي !..
درداس : في الصبيحة بإذن الله يا أخي ...
 


الجزء السادس عشر ( ١٦)
ظل الرجال الخمسة يقضون أسعد أوقاتهم يأكلون الشواء من اللحوم ويشربون ما لذ من الشراب.. كل على هواه.. وبعد ان استفحل بهم التعب والنعاس بعد الأكل المشبع الثقيل لجؤوا إلى النزل للبيات كل في غرفته.. نعمان : مالك يا درداس ؟.. أنت لم تأكل كعادتك.. ولم يبد عليك الإنبساط.. ولم تشرب معنا كما كنت تفعل دوما يا أخي ؟..
درداس : الجرح يوجعني ياأخي في ظهري.. وجرح قلبي يوجعني أكثر.. وأكثرها إيلاما جرح روحي وعقلي.. أريد التوبة إلى الله يا أخي بأسرع وقت.. فقد بت أخشى على نفسي الموت قبل ذلك !!
 نعمان : كبر عقلك يا أخي مالك !!!
أما جرحك فبعد أن نسلم الرضيع نفرغ له من يومنا عند أحد العطارين يداويك ويطببك بإذن الله فتشفي بسرعة كافية ؛... وأما سودة فهي قدر الله تصبر عليه ولعل الله ان يبدلك خيراً منها ؛... وأما التوبة فما الذي يحول بينك بين التوبة يا أخي إن الله غفور رحيم أليس كذلك ؟؟
 درداس : أما ظهري يا أخي فما أظنه بالأمر السهل والله العالم.. وأما يبدلني الله خيرا من سودة فليس ذلك في حساباتي قط لن أقبل غيرها حتى الموت بإذن الله..
وأما التوبة فبيني وبينها ٩٩ نفسا يا أخي ماذا أفعل بها ومن يقبل توبة رجل قتل ٩٩ نفسا؟؟؟
نعمان : الله يا أخي..
ونعم بالله ويحضن أخاه الذي أجهش في البكاء ....
 درداس (بصوت مخنوق): ونعم بالله ونعم بالله..  يتفلت من حضن أخيه ويلف ظهره ليبكي وحده حزنه وارقه يخاف إذا نام من كوابيسه التي تفزعه كلما نام ... ينام الركب كلهم حتى الصباح الباكر يكون درداس أول الذين أفاقوا... لأنه أصلا لم يقدر أن ينام.. فأمثاله لا ينامون من شدة الأرق والرعب على جلافتهم وقوتهم وشهرتهم.. فهم ضعفاء في سريرتهم والله العالم ؛..
يتجمعون مع اغراضهم في بهو النزل يدفعون بقية الإيجار تباعا لصاحب النزل .. ويسأله نعمان عن أقرب دكان عطار فيدله عليه ويخرجون بهدوء.. وقد أجزلوا له العطاء فهو يخدمهم ويحمل عنهم أثقالهم ...
نعمان : نذهب إلى الحظيرة نستلم الخيول ثم نذهب إلى العطار.. ثم نتحرك لاستلام الرضيع مع الظهيرة وبينها تذهب إلى السوق يا رجال بإذن الله فما رأيكم ؟..
فيروز فرحا : السوق نعم السوق يا رجال !!!
شهران: وَمِا تلك الفرحة يا فيروز ؟ زعنون : انا أعرفه لديه المال الآن يريد ان يشتري أجمل جارية ؟؟؟
 يضحك الجميع ،..
نعمان : هذاصحيح يا فيزوز ؟؟؟ فيروز : نعم فما قيمة الحياة من غير امرأة تحبها وتحبك تريحها وتريحك ؟؟؟
 زعنون : او تنكد عليها وتنكد عليك !!!( يضحكون )...
درداس : والدموع في عينيه ...نعم هكذا الحياة قد أضعنا الكثير منها للأسف هيا يا رجال ..
يصلون الحظيرة الاستلام الخيول .. نعمان : الخيول جاهزة يا غلام ؟ الغلام : هي هناك مربوطة أنيقة نظيفة شبعانة معطره عليها أحلاسها .. هل اجمع أغراضكم فيها ناولوني أساعدكم !!!
الرجال :لا شكرًا لك نحن نضعها فيها كم بقي لك عندنا ... يعطونه أجره ويجزلون له العطاء فيقف مشدوها ينظر إليهم.. لا يتوقف عن شكرهم ويذهبون ...
يتحرك الركب إلى العطار.. فينزل نعمان ودرداس يشترون بعض الأعشاب يعرفانها جيدا ويتحركون بعدها إلى السوق ...
درداس :وماذا نريد نحن من السوق يا اخي ؟
 نعمان : أنت ذاهب لزيارة شيخ عشيرة القسوس ألا تحمل له ولخالة الرضيع هدية يا أخي ؟؟؟
درداس : نعم صدقت يا نعمان ما أحلمك وأكبر عقلك يا أخي ..
ماذا أفعل من غيرك بإذن الله !!! يتحركون إلى السوق وهم نشاط وفرحة ..
زعنون : يا سادة الا تفطرون نريد ان نأكل يا سادة نشرب شرابا ساخنا مع العسل بإذن الله ..
الجميع يجدها فكرة صائبة ونعمان يقول : هذا زعنون لا ينسى كرشه قط ما أحسنه وكأنه يتحدث عنا كلنا فقد جعت أنا كذلك ؛..
هيا يا رجال فما أجمل الحياة هكذا من غير سلب ونهب وقتل ..
يذهب الرجال إلى مكان للأكل فيه الشراب الساخن والطعام للريوق بإذن الله.. يم يتوجهون بعد ذلك إلى السوق وهنا يسخر زعنون من فيروز ... زعنون : هل تريد يا فيزوز ان تشتري جارية لك وحدك ؟..
فيروز ( غاضبا ) : ابتعد عني يا زعنون انت تعرف غيرتي !!!
 زعنون :وتريد ان تأخذها معك ومعنا الآن ،.. من يضمن ذلك يا أحمق .. فيروز : وتظن اني اخرق مثلك يا أبو كرش لا يفقه بالنساء شيئا ؛..
لا أتركها عند النخاس حتى نفرغ من أمر الرضيع وأعود إليها وحدي نعم وحدي يا اخرق بإذن الله ..
درداس : نعم الرأي يا فيروز ..
فيزوز : كلنا جنودك يا سيدي ..
يصلون إلى السوق يتفرقون على ان يتجمعوا قبل الظهيرة وقوة ظهور الشمس كي يتحركوا إلى قرية الأغنام لاستلام الرضيع ..
يشتري نعمان بردة مذهبة لشيخ عشيرة القسوس وعطرا غاليا لخالة الرضيع معروف في البادية لجودته.. تشتريه الملوك فقط لسعره الغالي.. فاعجبت الفكرة درداس الذي لا يفقه في هذا الأمر شيئا وكأنه بدأ يتعلم ابجديات الحياة متأخرا ،..
 تجمع الرجال في المكان الموعود والوقت الموعود وهم فرحين وأكثرهم فرحة فيروز.. اما زعنون فقد كان يأكل لفافة من اللحم الجاف مبهرة رائحتها وصلتهم قبل وصوله ..
يضحك الجميع من المشهد ويشير اليهم درداس هيا الى قرية الأغنام بإذن الله ؛.. يتحركون كالبرق البارق يخترقون الصحراء بسرعة وحذر وعزيمة ...
فما الذي ينتظرهم هناك في مملكة الملك العادل ؟؟؟
 


الجزء السابع عشر (١٧)
يصل الرجال سريعا إلى مشارف قرية الأغنام لاستلام الرضيع.. وزعنون كان يحدوهم في الطريق بغنائه العذب ونشيده الحماسي الأصلي ...
 يتوقف الركب في مكانهم القديم الذي أقاموا فيه سابقا يرتاحون قليلا من عناء السير السريع المجهد .. فهكذا كانت دأب العصابات تتحرك سريعا ولا تقف إلا حيثما وتعرف وتأمن .. درداس : هيا يا فيروز انطلق مع شهران لجلب الرضيع.. وكن حذرا في طريقك بإذن الله ..
فيروز : لا توصي موصي يا سيدي نحن فداك دوما ...
شهران : نعم نذهب نجلب الرضيع "شهران" يا فيروز ؟؟!!
(يضحك الحميع )...
نعمان : أجزلوا للمرضع العطاء واوصوها أن تكتم عنا الأمور وأن فعلت ندل عليها غيرنا كي يتحرك سوقها بين المراضع بإذن الله... درداس : تذهبوا تعودوا من غير ضجيج ولا جلبة بإذن الله يا سادة توكلوا على الله ..
يركب فيروز وشهران خيولهم النظيفة القوية ويتحركون تجاه قرية الأغنام بهدوء وتصميم ... يجلس درداس ونعمان ويبدأ زعنون تجهيز الشراب الساخن الذي يحبه ليأكل من جديد كعادته ...
نعمان : نريد الشراب فقط يا زعنون لا طعام الله أرجوك !!!
 زعنون :أما أنا فأريد أن آكل قطعة الثريد في جراب حصاني قد خدرتني رائحتها يا سيدي ..
زعنون : هل أعطيك قطعة منها يا سيدي درداس جرب لن تندم إنها زاكية ومبهرة !!
 درداس وتظن اني لا أشم رائحتها من بعيد يا زعنون.. فقد أدمت أنفي وهي مثل رائحة السمك المجفف .!!!!
يضحك الحميع ...
يصل فيروز وشهران إلى المرضعة هناك في قرية الأغنام في وقت استلام الرضيع.. فيجد الغلام واقف على الباب ينتظر الركب والبعير هناك في مناخه راقد علي الأرض ...
يصيح الغلام على أمه ان قد وصل الرجلان يا أمي.. ويسرع تجاه البعير يقيمه من مناخه فيقبل عند باب الخيمة وينيخه من جديد لوضع الرضيع في الهودج بسلام ..
تخرج المرضع وهي تحمل الغلام وهو نائم ونظيف وتشير بيدها ان اسكتوا ....شوش شوش فهو نائم وشبعان ونظيف وراقد..
( يسكت الجميع )... يقترب فيروز من المرضع يتأمل الرضيع بتعرف عليه يم يطلب منها ان تضعه في فراشه في الهودج فتفعل ذلك بهدوء وتنظر إلى فيروز تفتح يدها ...
يضع فيروز في يدها صرة فتفتحها فورا فيتهلل وجهها فرحا وتقفز في مكانها من الفرحة كالطفل الصغير فيشير إليها فيروز :
شوش شوش يا امرأة الرضيع نائم ... فتعود إلى صوابها ..
يسلم شهران الغلام ابنها مكافأة في يده لاعتنائه في البعير !!!
يهم فيروز وشهران بالرحيل فتقول المرأة لهما :على رسلكما اصبروا عندي لكم شيئ فقد إكرمتمونا وقد حق علينا ان نكرمكم !!!
شهران : وما ذاك يا امرأة ؟!
دخلت خيمتها وجاءت بصندوق صغير مغلق نظيف ..
فيروز : وما هذا يا امرأة ؟؟!
المرضع : أربع قوارير في كل قارورة رضعة للرضيع فهو طفل مجنون بالرضاعة ومع كل قارورة قطعة من الشمع يرضع منها الواحدة تلو الواحدة... حتي يصل إلى أمه أو أهله بإذن الله ...
فيروز : أحسنت يا امرأة فقد كفيت ووفيت ..
المرضع : كانت هذه الرضعات طلبية لرضيع آخر أجهز الآن غيرها لهم بإذن الله ...
شهران : أحسنت يا امرأة وهل جزاء الإحسان آلا الإحسان !!!!
 المرضع : صدقت يا رجل ...
يقوم البعير بهدوء ويركب الرجلان يتحركان ببطء وهدوء خارجين من قرية الأغنام والمرضع وابنها يودعونهم فرحين ...
يتحركون بهدوء والشمس بدأت تتوسط السماء حيث يصلون بهدوء إلى الركب فيقصون عليهم من أمر المرضع وابنها والرضعات فيفرحون .. ويقوم درداس متوجها إلى الرضيع يشمه فإذا به يشم عطر أمه سودة الغالي.. فتدمع عيناه ويخفي دمعته عن الرجال يتذكر تلك الليلة التي عرضت فيها نفسها عليه فاستعصم لله ولا يدري الآن هل كان فعله ذاك صحيحا أم أنها فرصة قد فاتته... فطرد الوسواس وتذكر التوبة واخرج اللفافة الرباط وربط العقد على قدم الغلام اليسرى ذو الخرزة الزرقاء لون عيون سودة.. عندما رآها أول مرة في خيمة العلج ...ذكريات تطارده لا يكاد يفيق منها قط ..
أذن درداس للركب أن يقيلا قليلا في الظل يشربان الشراب الساخن كي تبدأ الرحلة الخطرة مع نزول الشمش بعد الظهيرة بإذن الله ...
درداس : زعنون نعمان ..
نعمان : سم يا أخي ؟
درداس : أريد منكما ان تستكشفا الطريق الأكثر امنا وتجمعا المعلومات عن مكان شيخ عشيرة القسوس.. حتى نصل هناك بأمان فإن معنا بعير وورضيع وهذا يجعل منا ركبا بطيئا مستهدفا ثقيلا من العصابات فحذار !! نعمان : صدقت يا أخي نفعل بإذن الله !..
نعمان : هيا يا زعنون ففد أكلت بِما فيه الكفاية هيا تحرق ما أكلت !!!
 فيروز : وماذا أكل الأخرق بالله عليكم ..
شهران : الا تشم رائحة الثريد المعفن يا فيروز ..
يضحك الجميع ويستشيط زعنون غضبا يسب عليهم بعصبية مازحا.. ينهض نعمان وزعنون يركبان ودرداس واقف معهم يوصيهم الا يتأخروا.. وأن يكونوا حذرين ثم يتحركون ويبتعدون... ويظل دورداس وفيروز وشهران في القيلولة جالسين ...
فماذا ينتظرهم من مفاجآت بإذن الله ،!!!


 الجزء الثامن عشر (١٨)
عندما يقترب الركب البطيئ الحركة بسبب البعير والرضيع من حدود مملكة الملك العادل... يتوقف درداس فيتوقف الجميع ...
درداس : فيروز ونعمان وزعنون تذهبون تستكشفان لنا الطريق.. وعندما تطمأنا للأمان ترسل يا نعمان زعنون ليخبرنا كي تلحق بكما بإذن الله .. نعمان : وكيف اتركك وحدك وأنت على حالتك هذه ؟؟
 درداس (يتنحح ) فيفهم نعمان غلطه ويصحح كلامه :..
وماذا نفعل نحن بعد أن نرسل لك زعنون يا أخي ؟؟؟
 درداس : هكذا الكلام وهذا عين العقل يا نعمان!!!
تنتظرون حتى نصلكم بإذن الله بسلام.. وبعدها يلحق بكم زعنون وتكملون الطريق تسألون عن مضارب عشيرة القسوس .. وان عندكم أمانة غالية لشيخ العشيرة بإذن الله... وبعد ان تصلوا هناك وتكلموا الشيخ وتأخذوا الأمان... ترسلوا لنا زعنون ومعه حماية من شيخ العشيرة.. رجلان فقط بإذن الله.. لا يزيد.. فإن زادوا كان ذلك غدرا نقاتلهم بإذن الله... ونذهب فحذار يا نعمان رجلان فقط لا يزيد فهمت يا أخي ؟!..
نعمان : وان لم يرسل حماية معنا؟ درداس : يكون ذلك غدر فارجعوا جميعا وترقبوا من خلفكم بإذن الله.. فنحن رؤوسنا كلها مطلوبة وغالية... يطمع لمكافأتها الفرسان وحتى شيوخ العشائر.. ليتقربوا للملك العادل .. نعمان : فهمت عليك يا أخي !! درداس : عرفتم الخطة يا رجال ؟؟! الجميع : وصلت يا سيدي !!!
درداس : أعيد ...يذهب نعمان وفيروز وزعنون لاكتشاف الطريق.. وعند التأكد منه تتوقفون ويرسل زعنون نصلكم معه بإذن الله... ومن هناك نكمل الخطة سويا بفضل الله ...
يتحرك الرجال الثلاثة ويهمس نعمان في أذن شهران بكلمات فهم منها درداس انه يوصيه عليه ألا يجهد نفسه... ففرح في نفسه من رقة أخيه عليه وانطلق من توه ..
غاب نعمان وفيزوز وزعنون ساعة من الزمن.. ودرداس يغلي في انتظاره وحذره وترقبه وصوت الرضيع الذي اسكته شهران بالرضعة الثالثة وهو يقول :... بقي لك رضعتان وتصل خالتك... فارقد يا شهران ويضحك فلم يكن يعرف له اسما غير ذلك الإسم الذي اعجبه ...
من بعيد يقبل زعنون فيهب الرجلان ويقوم البعير ليلحقوا به وهو قادم .. زعنون ( من بعيد ) :هيا يا سيدي الطريق آمن.. والناس هنا طيبون متعاونون بشكل مريح والحمد لله .. يتحرك شهران يساعد درداس على النهوض.. فلم يعد قادرا على اخفاء أوجاعه ويصبر عليها ...
يتحرك الركب في الصحراء وقد تجاوز الوقت عصر ذلك اليوم والحر قد زادت شدته والرضيع يحتاج إلى تغيير غياراته.. فعلا صوته مما اضطر شهران إلى ايقاف الركب لتغيير غياراته بناء على طلب المرضع قبل رحيله من عندها... ففعل ذلك بأعجوبة والكل يراقبون باستغراب واعطاه الرضعة الرابعة فسكت الرضيع ..
زعنون : شهران أراك خبيرا بالورعان يا شهران ؟؟؟
 شهران : كنت يتيم الأبوين وقد رعيت أخي الرضيع حتى كبر فلا تستغربوا !!! يسكت زعنون ويكف عن هزله فالأمر لا يحتمل السخرية قط ..
يصل الركب نعمان وفيروز وهم جالسين ينتظران البعير ان يشرف من بعيد ...
ينزل الجميع عن خيولهم للراحة ويناخ البعير بهدوء حتى لا يصحوا الرضيع .. درداس : قاربنا على مرحلة الخطر يا رجال ...
الآن نعمان وزعنون وفيروز يتحركون للوصول إلى مضارب شيخ عشيرة القسوس.. وطلب الأمان والحماية المتفق عليها.. ثم يرجع زعنون ليردفنا عندكم بإذن الله ...
نعمان : سيدي وأخي هل لي باقتراح بسبط بعد إذنك ؟
درداس : تفضل يا أخي..
نعمان : يأتي معي شهران ويظل زعنون لخدمتك بإذن الله ؟زعنون : نعم نعم نعم ...أعد لك الطعام يا سيدي ما زال عندي ثريد !!!
 يضحك الجميع ويرافق درداس .. يرتاح الجميع ساعة حتى انكسرت الشمس وابردت فقام الثلاثة إلى خيولهم ليتحركوا ...
دوداس : نعمان تأكد أن الشيخ يرسل معك رجلان فقط وقل له ان هذا شرط حامل الأمانة بإذن الله... رجلان لا غير بإذن الله ...
نعمان : لا تقلق يا أخي فهمت والله إنك يا اخي لداهية كبير !!!
(يضحك الجميع )...
يتحرك الركب الثلاثي بحذر ويظل زعنون الذي هرع إلى خيله ليجهز الطعام كي يملأ كرشه الذي لا يشبع .. شهران. من بعيد :.. زعنون تأكد أنك لا تجهز على كل الثريد... أترك لنا نصيبا يا ابو كرش ...
زعنون : في أحلامك يا شهران ...انطلق بعيدا عني !!! يتحركون ودرداس يتحرك من الوجع يمين شمال.. ولا يجرؤ ان يشكوا ذلك لزعنون ...
زعنون : أنت بخير يا سيدي..
درداس : نعم بخير يا زعنون جهز وليمتك آكل معك بإذن الله !!
زعنون : نعم نأكل سويا ولا نترك شيئا لشهران الحسود ( يضحكان )... يمر الوقت بطيئا وثقيلا على درداس الذي يشكوا وجع قلبه ووجع ظهره ووجع الظرف الذي يعيشه بسبب الرضيع... حيث يعرض حياته وحياة من معه من أجل وعد وعده لأمه..
فماذا يا ترى يكون من أمر الثلاثة الذين ذهبوا إلى شيخ عشيرة القسوس ؟؟!!


الجزء التاسع عشر ( ١٩)
يمر الوقت ثقيلا جداً على درداس.. وهو يرقب الشمس تميل نحو الغروب وهو يبحلق في الأفق... هل يلوح ظل متحرك ومعه زعنون الذي أعد له الحساء والطعام وأكل وتمدد على ظهره يشخر... ودرداس يعلم ان زعنون رجل غير مقاتل... وإنما هو خادم لسيده فقط... فكانت مسؤولية الحماية على عاتق درداس الذي لم يغمض له جفن... يقول ماذا حدث معك يا نعمان ؟..
هناك بعيد جداً مسافة ساعة وصل نعمان وفيروز وشهران مضارب شيخ قبيلة القسوس... والذي كان الخبر قد وصله مسبقا ان هناك من يسأل عنه من العربان... وشكلهم غير مريح.. وكأنهم قطاع طرق.. فتحفز هو ومن معه من عشيرته حول مضارب العشيرة من بعيد ...
تراجع الثلاثة عندما حددوا مكان مضارب العشيرة.. وانطلق شهران مسرعا للإعلام درداس وزعنون فما أن ظهر شهران في الأفق حتى طار درداس رغم ألمه.. واقفا يجهز نفسه والبعير ...
وصل شهران إلى درداس :
 سيدي الأمر غير مطمئن.. العشيرة قد تحفزت لنا يبدوا ان هناك عيونا لهم تخبرهم كل صغيرة وكبيرة... وبالذات من امثالنا يا سيدي !!!
درداس : لا ألومهم يا شهران فقد كنا نفتك بهم من غير رحمة قديما هل نسيت ؟!
شهران : وكيف ننسى يا سيدي كيف ننسى.. ويطرق بنظره إلى الأرض .. يتحرك الركب سريعا في الصحراء فيعلوا صراخ الرضيع.. فيعطيه شهران رضعة أخرى فيسكت ،.. ويظل الجميع يتحركون يحدوهم زعنون هذه المروة بحداء عن اللحم والثريد كي يغيظ شهران !!!
يمر الوقت ويصل الركب إلى نعمان وفيروز وهما واقفان متحفزان .. درداس : مالكم واقفون ألا ترتاحوا ؟! نعمان : ننظر إلى الذين خلفك يا سيدي !!
يلتفت دوداس خلفه فيرى ثلاثة من الرجال على خيولهم.. فيطلب من شهران ان يسحب الرضاعة من فم الرضيع فيفتح صوته يولول ... عندما يسمع الرجال صوت الرضيع يلوا مدبرين ولا يلتفتون إليهم قط !!! يسكت شهران الرضيع مرة أخرى .. درداس : الآن خبر الرضيع سيصل إلى ملك عشيرة القسوس بإذن الله ...
هيا نقترب منهم يا رجال ونقف خارج حدود المملكة بعيدا عن حرس العشيرة بإذن الله.. ثم تذهب يا نعمان أنت وشهران للقاء شيخ العشيرة.. وتعطيه الهدايا والعلامة والرسالة ثم تحضر ومعك رجلان فقط بإذن الله.. ولا تعرف نفسك واذكر الرجل الذي معه الامانه صديق الملك سنام الجبل رحمه الله ...
نعمان : نفعل يا أخي بإذن الله !!! درداس : تتحرك بهدوء ولا تضع يدك على سيفك قط وتتحرك بثقة وقوة .. نعمان : أفعل يا أخي !!!
درداس : تأتي مع الرجلان وشهران بإذن الله ؟!!
نعمان : يتحرك بعيدا مع فيروز وهو متحفز .... يظل درداس وفيروز وزعنون في حالة تحفز... فالمحيط حولهم فيه حركة غريبة صامته من بعيد... يصل نعمان وشهران حدود مضارب العشيرة فيستقبله فارسان وهم جنود أقوياء ...
أحد الفارسان: ما خطبكم ؟!
 نعمان : نطرح عليكم السلام بإذن الله . الحارس الآخر : أنتم موحدون مسالمون ؟؟
 نعمان : نعم ونحمل هدايا لشيخ العشيرة وأمانة عزيرة غالية ؟!
 أحد الفارسين : وما هي الأمانة ؟ نعمان : نقول ذلك للشيخ بنفسه ان اذنتم لنا بإذن الله !!
الحارسان يتحدثان فيما بينها ويتحرك واحد منهما راجعا .. ويظل الآخر امامعها متحفزا ...
لا يمضي كثير ويحضر الحارس ومعه رجل آخر مهيبا كببرا قويا ...
الرجل المهيب : أنتم الذين سمعنا منكم صوت الرضيع ؟..
نعمان : من السائل يا سيدي عذرا ؟! الرجل : الشيح بدران شيخ عشيرة القسوس ؟
يترجل نعمان من حصانه ويقبل اليه يسلم عليه.. فيترجل الرجل من حصانه يسلم عليه.. ،نحن أصدقاء الملك سنام الجبل رحمه الله يا سيدي ...
الشيخ بدران : ونعم بالرجل رحمه الله نسيبي بإذن الله ...
سيدي هذه هدايا من حامل الأمانه لك ولاهل بيتك بإذن الله.. فيخرج الهديا فيبهت الشيخ ويطلب من أحد الفرسان حملها فورا ...
الشيخ بدران : وأين الأمانة يا رجال ؟! نعمان : نطلب منك الأمان يا سيدي ثم نجلبها بإذن الله لك ...
الشيخ : أنتم بالأمان.. وخذ معك هذين الفارسين للأمان بإذن الله ...
نعمان ( يتهلل وجهه فرحا ) : شكرا يا سيدي نلقاك بعد قليل بإذن الله ... يعود نعمان وشهران وهو غير مصدق ومعه رجلان فقط كما طلب أخوه بفضل لله .... يصل نعمان قرب موقع درداس ويطلب من الفارسان الانتظار ريثما يعطي الأمان لدرداس ومن معه ... يتهلل وجه درداس فرحا مع شدة ألمه وتعبه من ظهره.. إلا انه يتحرك تجاه الفارسان اللذان يتقدمان الركب إلى مضارب العشيرة.. ولما يصلا يكون هناك جمع كبير ينتظرون فيتقدم نعمان مع الفرسان..
ويتوقف درداس وفيروز وزعنون حتى يصل نعمان وشهران إلى السرداق الكبير لشيخ العشيرة ...
ينزل نعمان وشهران يسلمان ومن بعيد يرى شهران سيدة أخت سودة.. يعرفها من الشبه من بعيد فيرحب بهم الشيخ بدران وينادي الركب من بعيد تقدموا انتم بالأمان بإذن الله . '
يقترب درداس وفيروز وزعنون من السرادق فيبدأ الرضيع بالصراخ.. فيطيش قلب سيدة وكأنها احست فهي لم يولد لها أطفال... فيخرج نعمان القلادة ويسلمها للشيخ الذي يسلمها بدوره إلى زوجته فتبكي على فورها :.. هذه قلادة أمي ؟..
!يالله سودة سودة سودة أين سودة ؟!!!
نعمان :سيدتي أختك سودة قد وافتها المنية وهي تدافع عن عرضها ورضيعها !!
نعمان : قالت لي قل لأختي "الضنا "وهي ترد عليك فورا "انا "..
نعمان : الضنا سيدة :.. "انا"وبدأت تبكي ...
هنا ترجل درداس واناخ البعير وحمل الرضيع بيديه وسلمه للشيخ بدران... الذي سلمه إلى زوجته سيدة في مشهد بكت منه كل العيون.. وهي تقول قد استجاب الله لي فأخذ أختي واعطاني رضيعها.. ما اصعبها من قسمة وقدر عظيم رضينا يالله .؟!
تحمل الرضيع فتجده يحتاج إلى غيار فتدخل فيه فورا الخمية وتختفي .'' هنا يأتي فارس من بعيد وكأنه يدفع دفعا يدخل السرادق ويقترب من الشيخ بدران يهمس في أذنيه فيتركركب الشيخ بدران ...
الشيخ : أيها الرجال اعتذر لكم يبدوا ان أمركم قد وصل ضابط الملك العادل... وأرسل مفرزة ليعرف ماذا يحدث.. ونحن نعرفكم وقد اعطيناكم الأمان ،..
كنا نريد ان نكسب ضيافتكم ثلاثة أيام.. ولكن لا نملك الا أن نعطيكم رجلان معكم لتتخرجوا من حدود للمملكة بأمان ...
 يتأهب درداس ومن معه بسرعه للرحيل ...
درداس هذابعير سودة والرضيع هو لكم يا سيدي بإذن الله ...
وهم يخرجون تدخل سيدة تصيح كي يسمعوها وهم راحلون :من منكم درداس ؟..
يضج المكان كله عند سماع الإسم ... سيدة : هذه القلادة لك يا سيدي من أختي سودة.. كما كتبت في رسالتها بإذن الله ...
يأخذ درداس القلادة والدموع في عيناه تراها سيدة بوضوح تقول :.. معقول أنت درداس ؟!
يقول درداس : نعم سيدتي بإذن الله.. ويلف عنق حصانه ويطير الرجال في الصحراء والشمس تغيب تستر عليهم ..

 

 


الجزء العشرون (٢٠)
انطلق ركب درداس والأربعة الذين معه كالبرق البارق من أمام سرادق الشيخ بدران.. الذي لحق بهم من فوره مع عدد من رجاله الاشداء وهو يصرخ من بعيد :... لن نترككم حتى تصلوا حدود المملكة بإذن الله !!!
درداس ومن معه يتحركون لا يلتفتون إلى الوراء فدرداس يعلم ان الملك العادل يطلب رؤوسهم من قديم... ولن يتوانى في اللحاق بهم لاعتقالهم وقتلهم.. ولذلك اسرعوا بشكل صاعق.. ودرداس يئن من وجع ظهره... وأخوه نعمان يشفق عليه ولكن ما باليد حيلة . وصل الركب الطائر حدود المملكة ومن ورائهم غبار كثير يقترب.. فأدرك الشيخ بدران أنهم جنود مفرزة الملك العادل.. تطارد درداس وعصابته.. فوقف هو ومن معه في الطريق يترقبهم وينتظرهم حتى وصلوا اليه ...
التف نعمان إلى الوراء فلم يجد الشيخ بدران ورجاله فهدأ من سرعته فهدأ الجميع معه ...
درداس : مادخطبك يا نعمان تحرك اسرع ؟!
 نعمان ( وقد استدار بفرسه الي الوراء من فوق ربوة صغيرة ) :يشير بعيدا بيده !!!
فهم درداس أنه يريد أن يريه شيئاً فصعد الربوة عنده ونظر ولحق به بقية الرجال ؟!
 نعمان : انه الشيخ بدران ورجاله يوقفون مفزرة جنود الملك العادل التي جاءت لمطاردتنا !!
درداس : تراهم يقاتلونهم !!!
 لن نتخلى عنهم بإذن الله !!!
 نعمان : لا يا أخي هم حلفاء والملك العادل لا يغدر حلفاءه يا أخي .. درداس : ولكن الشيخ بدران اوي أعداء الملك العادل واعطاهم الأمان !.. نعمان : هو شيخ وهذا من حقوقه يا أخي !..
درداس : ولكن ليس لأعدائه يا أخي ! نعمان : صدقت ولكن الشيخ بدران لم يكن يعرف أننا أعداء .. وكانت عندنا له أمانة غالية.. ولم نتصرف بأي سلوك عدائي طيلة رحلتنا بإذن الله ،... وقد رأيت كيف اهتز السرادق عندما نادت سيدة إسم درداس !!!
درداس : صدقت اقنعتني يا أخي ؛.. وماذا ترانا نفعل الآن بإذن الله؟! نعمان : نسرع ونكسب الوقت فلم يبق لحدود المملكة الا القليل.. وبعدها نحن بأمان.. والشيخ بدران في حل من عهده معنا ولا يجرؤ جنود الملك العادل مخالفة الأوامر.. فيلحقوا بنا خارج حدودهم مثلنا فيعودوا ادراجهم إلى ضابطهم خائبين بإذن الله !!
درداس (يلف عنق فرسه ويطير ويطير معه الآخرين بإذن الله.. من غير ان ينطق بكلمة واحدة.. فقد كان ظهره يفريه ألما وهو صابر صامت وفي أعماقه فرحة غامرة أن الرضيع الآن بأمان في حضن خالته.. وإن سودة الآن عنه راضية فرحة..
فقد كان يشم رائحة عطرها الذي دوخه يوما في القلادة التي ربطها في عنقه من تحت الثياب على صدره بإذن الله ..
وصل الركب الطائرحدود المملكة وتجاوزوها بأمان.. ومن بعيد بعيد هناك غبار ولكنه بعيد جدا ليس منه أي خطر حيث الشمس قد قاربت أن تغيب ؛.. يخفض الركب من السرعة رويدا رويدا حتى يصبحوا ركبا متقاربا يتحادثون ...
نعمان : اخي لا بد ان آخذك الآن وفورا إلى المشفى والعطار لعلاج ظهرك !.. درداس : لا يرد فهو مخدر من شدة الوجع في ظهره وانما يهز رأسه انه موافق...
فيروز : هل نعود يا سيدي إلى قرية الأغنام بإذن الله !!..
زعنون : آه آه عند جاريتك أليس كذلك با فيروز ؟..
شهران (يضحك ) : نعم عند جاريته والثريد الذي تعشق يا زعنون !! زعنون : ام ام ام نعم الثريد الثريد المبهر يا سيدي ...إلى قرية الأغنام بإذن الله !..
نعمان : نعم هيا الى قرية الأغنام بإذن الله ... يلف الرجال اعتاق خيولهم تجاه قرية الأغنام وتطير بهم الخيول.. ونعمان ودرداس في المؤخرة حيث يراقب نعمان أخوه وهو يترنح على صهوة فرسه.. خوفا عليه من السقوط.. ويهدأ البقية سرعتهم فهم يدركون ما يحدث ولكن لا يعملون تماما حقيقة الحال بسبب عزة نفس درداس القاتلة..
؛تمضي ساعة وقد غابت الشمس ووصل الرجال إلى قرية الأغنام بسلام بإذن الله ...
توقف الجميع ...
نعمان : يا رجال ؛.. سأذهب انا ودرداس إلى أقرب مشفي4 عند العطار الذي اشترينا منه الأعشاب اتذكرونه ؟! قالوا : نذكره يا سيدي !!!
ومن هناك تسألوا عنا بإذن الله.. فأما ان نبقى في المشفى عند العطار.. وأما ان نلحق بكم في نفس التزل بإذن الله !!!
زعنون : بإذن الله سيدي ..
فيروز وشهران صامتين لا يتكلمون . نعمان : ما خطبكما يا رجال ؟..
فيروز : نريد ان نبقى معكم يا سيدي للإطمئنان عليكم أنكم بخير !!
درداس : نحن بخير ويقبل عليهم يحضنهم من فوق صهوة فرسه ؛..
نحن بخير سوف تلحقوا بنا فيما بعد لا تقلقوا بإذن الله . '.
فيروز : وعد يا سيدي وعد !..
درداس ونعمان ينظر بعضهم إلى بعض ويقول درداس : وعد بإذن الله ... شهران : الآن نتحرك ؛.. هيا يا أبو الثريد !!!
زعنون : وهيا يا ابو النسوان ( يضحكون جميعا )..
ويتحركون بإذن الله ...
ينطلق نعمان مع درداس بهدوء شديد على خيولهم إلى دكان العطار فيصلون اليه وهو يغلق ستائر دكانه فيسرعون ..
يهرع نعمان اليه يقول :.. سيدي ؛.. تذكرني البارحة ؟!
العطار (مذهولا ينظر اليه ):انت الذي اجزلت لي العطاء بالأمس ...وكيف أنساك قد أسعدت لي يومي كله ذاك بفضل الله ...
العطار : وما حاجتك في هذا الوقت قبل ان أغلق دكاني !!
نعمان : حاجتي أنه أخي المريض ويلتفت إلى درداس.. وقد سقط من فوق صهوة فرسه وهو معلق برباط عنق فرس.. يكاد يرتطم بالأرض فيهرع اليه هو العطار ...
يفكان ربطه وينظر العطار وحرارته مرتفعة جدا وهو يعرق ويرجف في آن واحد.. وينظر العطار إلى ظهره المبلل من القيح والصديد فيجن جنونه .. العطار : هيا ساعدني نحمله عندي في المشفي ...
يفتح العطار بابا من خلف دكانه في غرفة نظيفة وحمام وسرير وخزانة فيها عقاقير كثيرة وخزانة أخرى فيها قماش كثير تفتح على باب آخر يفضي إلى بيته ...
يحمل الرجلان بشق الأنفس المارد الضخم درداس إلى الغرفة في جنح الظلام وهو فاقد للوعي بشكل تام ... فماذا يكون من أمره يا ترى بإذن الله ؟!..
البقية في العدد القادم باذن الله


⁠⁠⁠⁠
 

bottom of page